المسألة الثالثة: قوله * (وآمنوا بما نزل على محمد) * مع أن قوله آمنوا وعملوا الصالحات أفاد هذا المعنى فما الحكمة فيه وكيف وجهه؟ فنقول: أما وجهه فبيانه من وجوه الأول: قوله * (والذين آمنوا) * أي بالله ورسوله واليوم الآخر، وقوله * (وآمنوا بما نزل) * أي بجميع الأشياء الواردة في كلام الله ورسوله تعميم بعد أمور خاصة وهو حسن، تقول خلق الله السماوات والأرض وكل شيء إما على معنى وكل شيء غير ما ذكرنا وإما على العموم بعد ذكر الخصوص الثاني: أن يكون المعنى آمنوا وآمنوا من قبل بما نزل على محمد وهو الحق المعجز الفارق بين الكاذب والصادق يعني آمنوا أولا بالمعجز وأيقنوا بأن القرآن لا يأتي به غير الله، فآمنوا وعملوا الصالحات والواو للجمع المطلق، ويجوز أن يكون المتأخر ذكرا متقدما وقوعا، وهذا كقول القائل آمن به، وكان الإيمان به واجبا، أو يكون بيانا لإيمانهم كأنهم * (وآمنوا بما نزل على محمد) * أي آمنوا وآمنوا بالحق كما يقول القائل خرجت وخرجت مصيبا أي وكان خروجي جيدا حيث نجوت من كذا وربحت كذا فكذلك لما قال آمنوا بين أن إيمانهم كان أمر الله وأنزل الله لا بما كان باطلا من عند غير الله الثالث: ما قاله أهل المعرفة، وهو أن العلم العمل والعمل العلم، فالعلم يحصل ليعمل به لما جاء: إذا عمل العالم العمل الصالح علم ما لم يكن يعلم، فيعلم الإنسان مثلا قدرة الله بالدليل وعلمه وأمره فيحمله الأمر على الفعل ويحثه عليه علمه فعلمه بحاله وقدرته على ثوابه وعقابه، فإذا أتى بالعمل الصالح علم من أنواع مقدورات الله ومعلومات الله تعالى ما لم يعلمه أحد إلا باطلاع الله عليه وبكشفه ذلك له فيؤمن، وهذا هو المعنى في قوله * (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) * (الفتح: 4) فإذا آمن المكلف بمحمد بالبرهان وبالمعجزة وعمل صالحا حمله علمه على أن يؤمن بكل ما قاله محمد ولم يجد في نفسه شكا، وللمؤمن في المرتبة الأولى أحوال وفي المرتبة الأخيرة أحوال، أما في الإيمان بالله ففي الأول يجعل الله معبودا، وقد يقصد غيره في حوائجه فيطلب الرزق من زيد وعمر ويجعل أمرا سببا لأمر، وفي الأخيرة يجعل الله مقصودا ولا يقصد غيره، ولا يرى إلا منه سره وجهره، فلا ينيب إلى شيء في شيء فهذا هو الإيمان الآخر بالله وذلك الإيمان الأول.
وأما ما في النبي صلى الله عليه وسلم فيقول أولا هو صادق فيما ينطق، ويقول آخر لا نطق له إلا بالله، ولا كلام يسمع منه إلا وهو من الله، فهو في الأول يقول بالصدق ووقوعه منه، وفي الثاني يقول بعدم إمكان الكذب منه لأن حاكي كلام الغير لا ينسب إليه الكذب ولا يمكن إلا في نفس الحكاية، وقد علم هو أنه حاك عنه كما قاله، وأما في المرتبة الأولى فيجعل الحشر مستقبلا والحياة العاجلة حالا وفي المرتبة الأخيرة يجعل الحشر حالا والحياة الدنيا ماضيا، فيقسم حياة نفسه في كل لحظة، ويجعل الدنيا كلها عدما لا يلتفت إليها ولا يقبل عليها.
المسألة الرابعة: قوله * (وآمنوا بما نزل على محمد) * هو في مقابلة قوله في حق الكافر * (وصدوا) * (محمد: 1) لأنا بينا في وجه أن المراد بهم صدوا عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا حث على اتباع محمد