ثم قال تعالى * (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم) *.
ولبيان المناسبة وجوه الأول: هو أنه تعالى لما قال: * (فقد جاء أشراطها) * (محمد: 18) قال: * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) * يأتي بالساعة، كما قال تعالى: * (أزفت الآزفة ليس لها من دون الله كاشفة) *، وثانيها: * (فقد جاء أشراطها) * وهي آتية فكأن قائلا قال متى هذا؟ فقال: * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) * فلا تشتغل به واشتغل بما عليك من الاستغفار، وكن في أي وقت مستعدا للقائها ويناسبه قوله تعالى: * (واستغفر لذنبك) *، الثالث: * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) * ينفعك، فإن قيل النبي عليه الصلاة والسلام كان عالما بذلك فما معنى الأمر، نقول عنه من وجهين أحدهما: فأثبت على ما أنت عليه من العلم كقول القائل لجالس يريد القيام: اجلس أي لا تقم ثانيهما: الخطاب مع النبي عليه الصلاة والسلام، والمراد قومه والضمير في أنه للشأن، وتقدير هذا هو أنه عليه السلام لما دعا القوم إلى الإيمان ولم يؤمنوا ولم يبق شيء يحملهم على الإيمان إلا ظهور الأمر بالبعث والنشور، وكان ذلك مما يحزن النبي عليه الصلاة والسلام، فسلى قلبه وقال أنت كامل في نفسك مكمل لغيرك فإن لم يكمل بك قوم لم يرد الله تعالى بهم خيرا فأنت في نفسك عامل بعلمك وعلمك حيث تعلم أن الله واحد وتستغفر وأنت بحمد الله مكمل وتكمل المؤمنين والمؤمنات وأنت تستغفر لهم، فقد حصل لك الوصفان، فأثبت على ما أنت عليه، ولا يحزنك كفرهم، وقوله تعالى: * (واستغفر لذنبك) * يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون الخطاب معه والمراد المؤمنون وهو بعيد لإفراد المؤمنين والمؤمنات بالذكر. وقال بعض الناس * (لذنبك) * أي لذنب أهل بيتك وللمؤمنين والمؤمنات أي الذين ليسوا منك بأهل بيت وثالثهما: المراد هو النبي والذنب هو ترك الأفضل الذي هو بالنسبة إليه ذنب وحاشاه من ذلك وثالثها: وجه حسن مستنبط وهو أن المراد توفيق العمل الحسن واجتناب العمل السيء، ووجهه أن الاستغفار طلب الغفران، والغفران هو الستر على القبيح ومن عصم فقد ستر عليه قبائح الهوى، ومعنى طلب الغفران أن لا تفضحنا وذلك قد يكون بالعصمة منه فلا يقع فيه كما كان للنبي صلى الله عليه وسلم وقد يكون بالستر عليه بعد الوجود كما هو في حق المؤمنين والمؤمنات، وفي هذه الآية لطيفة وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم له أحوال ثلاثة حال مع الله وحال مع نفسه وحال مع غيره، فأما مع الله وحده، وأما مع نفسك فاستغفر لذنبك واطلب العصمة من الله، وأما مع المؤمنين فاستغفر لهم واطلب الغفران لهم من الله * (والله يعلم متقلبكم ومثواكم) * يعني حالكم في الدنيا وفي الآخرة وحالكم في الليل والنهار.