له طالع وشواهد تقتضي غلبته قطعا، فقال الله تعالى: * (ولن تجد لسنة الله تبديلا) * يعني أن الله فاعل مختار يفعل ما يشاء ويقدر على إهلاك أصدقائه، ولكن لا يبدل سنته ولا يغير عادته.
ثم قال تعالى * (وهو الذى كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا) *.
تبيينا لما تقدم من قوله * (ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار) * (الفتح: 22) أي هو بتقدير الله، لأنه كف أيديهم عنكم بالفرار، وأيديكم عنهم بالرجوع عنهم وتركهم، وقوله تعالى: * (ببطن مكة) * إشارة إلى أمر كان هناك يقتضي عدم الكف، ومع ذاك وجد كف الأيدي، وذلك الأمر هو دخول المسلمين ببطن مكة، فإن ذلك يقتضي أن يصبر المكفوف على القتال لكون العدو دخل دارهم طالبين ثأرهم، وذلك مما يوجب اجتهاد البليد في الذب عن الحريم، ويقتضي أن يبالغ المسلمون في الاجتهاد في الجهاد لكونهم لو قصروا لكسروا وأسروا لبعد مأمنهم، فقوله * (ببطن مكة) * إشارة إلى بعد الكف، ومع ذلك وجد بمشيئة الله تعالى، وقوله تعالى: * (من بعد أن أظفركم عليهم) * صالح لأمرين أحدهما: أن يكون منة على المؤمنين بأن الظفر كان لكم، مع أن الظاهر كان يستدعي كون الظفر لهم لكون البلاد لهم، ولكثرة عددهم الثاني: أن يكون ذكر أمرين مانعين من الأمرين الأولين، مع أن الله حققهما مع المنافقين، أما كف أيدي الكفار، فكان بعيدا لكونهم في بلادهم ذابين عن أهليهم وأولادهم، وإليه أشار بقوله * (ببطن مكة) * وأما كف أيدي المسلمين، فلأنه كان بعد أن ظفروا بهم، ومتى ظفر الإنسان بعدوه الذي لو ظفر هو به لاستأصله يبعد انكفافه عنه، مع أن الله كف اليدين.
وقوله تعالى: * (وكان الله بما تعملون بصيرا) *. يعني كان الله يرى فيه من المصلحة، وإن كنتم لا ترون ذلك، وبينه بقوله تعالى: * (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام، والهدى معكوفا) * إلى أن قال: * (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات) * (الفتح: 25) يعني كان الكف محافظة على ما في مكة من المسلمين ليخرجوا منها، ويدخلوها على وجه لا يكون فيه إيذاء من فيها من المؤمنين والمؤمنات، واختلف المفسرون في ذلك الكف منهم من قال المراد ما كان عام الفتح، ومنهم من قال ما كان عام الحديبية، فإن المسلمين هزموا جيش الكفار حتى أدخلوهم بيوتهم، وقيل إن الحرب كان بالحجارة.