كان الفاعل أول الفعل كيف يكون الأول له فعل يوجد منه فلا فعل له ولا فاعل فلا يقال آل الشيء بمعنى سبق كما يقال قال من القول، أو نال من النيل، لا يقال إن قولنا سبق أخذ منه السابق ومن السابق الأسبق مع أن الفاعل يسبق الفعل، وكذلك يقال تقدم الشيء مع أن الفاعل متقدم على الفعل إلى غير ذلك، نقول أما تقدم قد مضى الجواب عنه في تأخر، وأما سبق يقول القائل سابقته فسبقته فجيب عنه بأن ذلك مفتقر إلى أمر يصدر من فاعل فالسابق إن استعمل في الأول فهو بطريق المشابهة لا بطريق الحقيقة، والفاعل أول الفعل بمعنى قبل الفعل، وليس سابق الفعل لأن الفاعل والفعل لا يتسابقان فالفاعل لا يسبقه، والذي يوضح ما ذكرنا أن الآخر أبعد من الأول عن الفعل بخلاف الآخر، وما يقال إن أول بمعنى جعل الآخر أولا لاستخراج معنى من الكلام فبعيد وإلا لم يكن آخر دونه في إفادة ذلك، بل التأويل من آل شيء إذا رجع أي رجعه إلى المعنى المراد وأبعد من اللفظين قبل وبعد فإن الآخر فاعل من غير فعل والأول أفعل من غير فاعل ولا فعل، وقبل وبعد لا فاعل ولا أفعل فلا يفهم من فعل أصلا لأن الأول أول لما فيه من معنى قبل وليس قبل قبلا لما فيه من معنى الأول والآخر آخر لما فيه من معنى بعد، وليس بعد بعدا لما فيه من معنى الآخر يدلك عليه أنك تعلل أحدهما بالآخر ولا تعكسه فتقول هذا آخر من جاء لأنه جاء بعد الكل ولا تقول هو جاء بعد الكل لأنه آخر من جاء، ويؤيده أن الآخر لا يتحقق إلا ببعدية مخصوصة وهي التي لا بعدية بعدها وبعد ليس لا يتحقق إلا بالآخر فإن المتوسط بعد الأول ليس بآخر. وهذا البحث من أبحاث الزمان ومنه يعلم معنى قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا الدهر (فإن الدهر هو الله) " أي الدهر هو الذي يفهم منه القبلية والبعدية والله تعالى هو الذي يفهم منه ذلك والبعدية والقبلية حقيقة لإثبات الله ولا مفهوم للزمان إلا ما به القبلية والبعدية فلا تسبوا الدهر فإن ما تفهمونه منه لا يتحقق إلا في الله وبالله ولولاه لما كان قبل ولا بعد.
البحث الثاني: ورد في كلام العرب الأولة تأنيث الأول وهو ينافيه صحة استعمال الأولى لأن الأولى تدل على أن الأول أفعل للتفصيل، وأفعل للتفضيل لا يلحقه تاء التأنيث فلا يقال زيد أعلم وزينب أعلمة لسبب يطول ذكره، وسنذكره في موضع آخر إن شاء الله تعالى، نقول الجواب عنه هو أن أول لما كان أفعل وليس له فاعل شابه الأربع والأرنب فجاز إلحاق التاء به ولما كان صفة شابه الأكبر والأصغر فقيل أولى.
المسألة الرابعة: أولى تدل على أن أول لا ينصرف فكيف يقال أفعله أولا ويقال جاء زيدا أولا وعمرو ثانيا فإن قيل جاز فيه الأمران بناء على أولة وأولى فمن قال بأن تأنيث أول أولة فهو كالأربع والأربعة فجاز التنوين، ومن قال أولى لا يجوز، نقول إذا كان كذلك كان الأشهر ترك التنوين لأن الأشهر أن تأنيثه أولى وعليه استعمال القرآن، فإذن الجواب أن عند التأنيث الأولى أن