والوجه الثاني: يحتمل أن يكون المراد بالخلق الأول هو خلق السماوات، لأنه هو الخلق الأول وكأنه تعالى قال: * (أفلم ينظروا إلى السماء) * (ق: 6) ثم قال: * (أفعيينا) * بهذا الخلق ويدل على هذا قوله تعالى: * (أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن) * (الأحقاف: 33) ويؤيد هذا الوجه هو أن الله تعالى قال بعد هذه الآية * (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه) * (ق: 16) فهو كالاستدلال بخلق الإنسان وهو معطوف بحرف الواو على ما تقدم من الخلق وهو بناء السماء ومد الأرض وتنزيل الماء وإنبات الجنات، وفي تعريف الخلق الأول وتنكير خلق جديد وجهان أحدهما: ما عليه الأمران لأن الأول عرفه كل واحد وعلم لنفسه، والخلق الجديد لم يعلم لنفسه ولم يعرفه كل أحد ولأن الكلام عنهم وهم لم يكونوا عالمين بالخلق الجديد والوجه الثاني: أن ذلك لبيان إنكارهم للخلق الثاني من كل وجه، كأنهم قالوا أيكون لنا خلق ما على وجه الإنكار له بالكلية؟ وقوله تعالى: * (بل هم في لبس) * تقديره ما عيينا بل هم في شك من خلق جديد، يعني لا مانع من جهة الفاعل، فيكون من جانب المفعول وهو الخلق الجديد، لأنهم كانوا يقولون ذلك محال وامتناع وقوع المحال بالفاعل لا يوجب عجزا فيه، ويقال للمشكوك فيه ملتبس كما يقل لليقين إنه ظاهر وواضح، ثم إن اللبس يسند إلى الأمر كم قلنا: إنه يقال إن هذا أمر ظهر، وهذا أمر ملتبس وههنا أسند الأمر إليهم حيث قال: * (هم في لبس) * وذلك لأن الشيء يكون وراء حجاب والناظر إليه بصير فيختفي الأمر من جانب الرائي فقال ههنا * (بل هم في لبس) * ومن في قوله * (من خلق جديد) * يفيد فائدة وهي ابتداء الغاية كأن اللبس كان حاصلا لهم من ذلك.
* (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) *.
وقوله تعالى: * (ولقد خلقنا الإنسان) * فيه وجهان: أحدهما: أن يكون ابتداء استدلال بخلق الإنسان، وهذا على قولنا * (أفعيينا بالخلق الأول) * (ق: 15) معناه خلق السماوات وثانيهما: أن يكون تتميم بيان خلق الإنسان، وعلى هذا قولنا الخلق الأول هو خلق الإنسان أول مرة، ويحتمل أن يقال هو تنبيه على أمر يوجب عودهم عن مقالهم، وبيانه أنه تعالى لما قال: * (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه) * كان ذلك إشارة إلى أنه لا يخفى عليه خافية ويعلم ذوات صدورهم. وقوله * (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) *. بيان لكمال علمه، والوريد العرق الذي هو مجرى الدم يجري فيه ويصل إلى كل جزء من أجزاء البدن والله أقرب من ذلك بعلمه، لأن العرق تحجبه أجزاء اللحم ويخفى عنه، وعلم الله تعالى