ولولاها لما حصل المقصود جعل المرفوع والمنصوب في ليس على الأصل، لأن الأصل تقديم الفاعل، وفي إن جعل ذلك على خلاف الأصل وقدم المشبه بالمفعول على المشبه بالفاعل تقديما لازما فلا يجوز أن يقال إن منطلق زيدا وهو في ليس منطلقا زيد جائز كما في الفعل لأنها فعل.
المقام الثاني: هي لم تكسر تارة وتفتح أخرى؟ نقول الأصل فيها الكسرة والعارض وإن كان هذا في الظاهر يخالف قول النحاة لكن في الحقيقة هي كذلك.
المقام الثالث: لم تدخل اللام على خبر إن المكسورة دون المفتوحة؟ قلنا قد خرج مما سبق أن قول القائل زيد منطلق أصل، لأن المثبتات هي المحتاجة إلى الإخبار عنها فإن التغير في ذلك، وأما العدميات فعلى أصولها مستمرة، ولهذا يقال الأصل في الأشياء البقاء ثم إن السامع له قد يحتاج إلى الرد عليه فيقول ليس زيد منطلقا فيقول هو إن زيدا منطلق فيقول هو ردا عليه ليس زيد بمنطلق فيقول ردا عليه إن زيدا لمنطلق وأن ليست في مقابلة ليس وإنما هي متفرعة عن المكسورة. المبحث الثاني: قوله تعالى: * (عذاب ربك) * فيه لطيفة عزيزة وهي أنه تعالى لو قال إن عذاب الله لواقع، والله اسم منبئ عن العظمة والهيبة كان يخاف المؤمن بل النبي صلى الله عليه وسلم من أن يلحقه ذلك لكونه تعالى مستغنيا عن العالم بأسره، فضلا عن واحد فيه فآمنه بقوله * (ربك) * فإنه حين يسمع لفظ الرب يأمن.
المبحث الثالث: قوله * (لواقع) * فيه إشارة إلى الشدة، فإن الواقع والوقوع من باب واحد فالواقع أدل على الشدة من الكائن.
ثم قال تعالى: * (ما له من دافع) * والبحث فيه قد تقدم في قوله تعالى: * (وما ربك بظلام للعبيد) * (فصلت: 46) وقد ذكرنا أن قوله * (والطور.. والبيت المعمور.. والبحر المسجور) * فيه دلالة على عدم الدافع فإن من يدفع عن نفسه عذابا قد يدفع بالتحصن بقلل الجبال ولجج البحار ولا ينفع ذلك بل الوصول إلى السقف المرفوع ودخول البيت المعمور لا يدفع.
* (يوم تمور السمآء مورا * وتسير الجبال سيرا) *.
فيه مسائل:
المسألة الأولى: ما الناصب ليوم؟ نقول المشهور أن ذلك هو الفعل الذي يدل عليه واقع أي يقع العذاب * (يوم تمور السماء مورا) * والذي أظنه أنه هو الفعل المدلول عليه بقوله * (ما له من دافع) * (الطور: 8) وإنما قلت ذلك لأن العذاب الواقع على هذا ينبغي أن يقع في ذلك اليوم، لكن العذاب الذي به التخويف هو الذي بعد الحشر، ومور السماء قبل الحشر، وأما إذا قلنا معناه * (ليس له دافع) * يوم تمور فيكون في معنى قوله * (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) * (غافر: 85) كأنه تعالى يقول: ما له من دافع في ذلك اليوم وهو ما إذا صارت السماء تمور في أعينكم والجبال تسير، وتتحققون أن الأمر لا ينفع شيئا ولا يدفع.