هذا الوجه الإخبار بلفظ الماضي مع أنه سبحانه وتعالى بعد ما قرن بينهم؟ قلنا صح في وزوجناهم على ما ذكر الله تعالى من تزويجهن منا من يوم خلقهن وإن تأخر زمان الاقتران.
المسألة الرابعة: قرىء * (ذرياتهم) * في الموضعين بالجمع وذريتهم فيهما بالفرد، وقرئ في الأول * (ذرياتهم) * وفي الثانية * (ذريتهم) * فهل للثالث وجه؟ نقول نعم معنوي لا لفظي وذلك لأن المؤمن تتبعه ذرياته في الإيمان، وإن لم توجد على معنى أنه لو وجد له ألف ولد لكانوا أتباعه في الإيمان حكما، وأما الإلحاق فلا يكون حكما إنما هو حقيقة وذلك في الموجود فالتابع أكثر من الملحوق فجمع في الأول وأفرد الثاني.
المسألة الخامسة: ما الفائدة في تنكير الإيمان في قوله * (وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان) *؟ نقول هو إما التخصيص أو التنكير كأنه يقول: أتبعناهم ذرياتهم بإيمان مخلص كامل أو يقول أتبعناهم بإيمان ما أي شيء منه فإن الإيمان كاملا لا يوجد في الولد بدليل أن من له ولد صغير حكم بإيمانه فإذا بلغ وصرح بالكفر وأنكر التبعية قيل بأنه لا يكون مرتدا وتبين بقول إنه لم يتبع وقيل بأنه يكون مرتدا لأنه كفر بعد ما حكم بإيمانه كالمسلم الأصلي فإذن بهذا الخلاف تبين أن إيمانه يقوى وهذان الوجهان ذكرهما الزمخشري، ويحتمل أن يكون المراد غير هذا وهو أن يكون التنوين للعوض عن المضاف إليه كما في قوله تعالى: * (بعضهم ببعض) * (البقرة: 251) وقوله تعالى: * (وكلا وعد الله الحسنى) * (النساء: 95) وبيانه هو أن التقدير أتبعناهم ذرياتهم بإيمان أي بسبب إيمانهم لأن الاتباع ليس بإيمان كيف كان وممن كان، وإنما هو إيمان الآباء لكن الإضافة تنبئ عن تقييد وعدم كون الإيمان إيمانا على الإطلاق، فإن قول القائل ماء الشجر وماء الرمان يصح وإطلاق اسم الماء من غير إضافة لا يصح فقوله * (بإيمان) * يوهم أنه إيمان مضاف إليهم، كما قال تعالى: * (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) * (غافر: 85) حيث أثبت الإيمان المضاف ولم يكن إيمانا، فقطع الإضافة مع إرادتها ليعلم أنه إيمان صحيح وعوض التنوين ليعلم أنه لا يوجب الأمان في الدنيا إلا إيمان الآباء وهذا وجه حسن.
* (والذين ءامنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ومآ ألتناهم من عملهم من شىء كل امرىء بما كسب رهين) *.
ثم قال تعالى: * (كل امرئ بما كسب رهين) * قال الواحدي: هذا عود إلى ذكر أهل النار فإنهم مرتهنون في النار، وأما المؤمن فلا يكون مرتهنا قال تعالى: * (كل نفس بما كسبت رهينة * إلا أصحاب اليمين) * (المدثر: 38، 39) وهو قول مجاهد وقال الزمخشري * (كل امرئ بما كسب رهين) * عام في كل أحد مرهون عند الله بالكسب فإن كسب خيرا فك رقبته وإلا أربق بالرهن والذي يظهر منه أنه عام في حق كل أحد، وفي الآية وجه آخر وهو أن يكون الرهين فعيلا بمعنى الفاعل، فيكون المعنى والله أعلم كل امرئ بما كسب راهن أي دائم، إن أحسن ففي الجنة مؤبدا، وإن أساء ففي النار مخلدا،