مستمرة منصوبة في مقابلة البصائر وآيات متجددة مذكرة عند التناسي، وقوله * (لكل عبد منيب) * أي راجع إلى التفكر والتذكر والنظر في الدلائل.
ثم قال تعالى * (ونزلنا من السمآء مآء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد * والنخل باسقات لها طلع نضيد) *.
إشارة إلى دليل آخر وهو ما بين السماء والأرض، فيكون الاستدلال بالسماء والأرض وما بينهما، وذلك إنزال (الماء من) السماء من فوق، وإخراج النبات من تحت وفيه مسائل:
المسألة الأولى: هذا الاستدلال قد تقدم بقوله تعالى: * (وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج) * (ق: 7) فما الفائدة في إعادته بقوله * (فأنبتنا به جنات وحب الحصيد) *؟ نقول قوله * (فأنبتنا) * استدلال بنفس النبات أي الأشجار تنمو وتزيد، فكذلك بدن الإنسان بعد الموت ينمو ويزيد بأن يرجع الله تعالى إليه قوة النشوء والنماء كما يعيدها إلى الأشجار بواسطة ماء السماء * (وحب الحصيد) * فيه حذف تقديره وحب الزرع الحصيد وهو المحصود أي أنشأنا جنات يقطف ثمارها وأصولها باقية وزرعا يحصد كل سنة ويزرع في كل عام أو عامين، ويحتمل أن يقال التقدير وننبت الحب الحصيد والأول هو المختار، وقوله تعالى: * (والنخل باسقات) * إشارة إلى المختلط من جنسين، لأن الجنات تقطف ثمارها وتثمر من غير زراعة كل سنة، لكن النخل يؤبر ولولا التأبير لم يثمر، فهو جنس مختلط من الزرع والشجر، فكأنه تعالى خلق ما يقطف كل سنة ويزرع وخلق ما لا يزرع كل سنة ويقطف مع بقاء أصلها وخلق المركب من جنسين في الأثمار، لأن بعض الثمار فاكهة ولا قوت فيه، وأكثر الزرع قوت والثمر فاكهة وقوت، والباسقات الطوال من النخيل.
وقوله تعالى: * (باسقات) * يؤكد كمال القدرة والاختيار، وذلك من حيث إن الزرع إن قيل فيه إنه يمكن أن يقطف من ثمرته لضعفه وضعف حجمه، فكذلك يحتاج إلى إعادته كل سنة والجنات لكبرها وقوتها تبقى وتثمر سنة بعد سنة فيقال: أليس النخل الباسقات أكثر وأقوى من الكرم الضعيف والنخل محتاجة كل سنة إلى عمل عامل والكرم غير محتاج، فالله تعالى هو الذي قدر ذلك لذلك لا للكبر والصغر والطول والقصر.
قوله تعالى: * (لها طلع نضيد) * أي منضود بعضها فوق بعض في أكمامها كما في سنبله الزرع وهو عجيب، فإن الأشجار الطوال أثمارها بارزها متميز بعضها من بعض لكل واحد منها أصل يخرج منه كالجوز واللوز وغيرهما والطلع كالسنبلة الواحدة يكون على أصل واحد.
* (رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج) *.
ثم قال تعالى: * (رزقا للعباد) * وفيه وجهان أحدهما نصب على المصدر لأن الإنبات رزق