ثم قال تعالى * (ولله ملك السماوات والارض يغفر لمن يشآء ويعذب من يشآء وكان الله غفورا رحيما) *.
بعد ما ذكر من له أجر عظيم من المبايعين ومن له عذاب أليم من الظانين الضالين، أشار إلى أنه يغفر للأولين بمشيئته ويعذب الآخرين بمشيئته، وغفرانه ورحمته أعم وأشمل وأتم وأكمل، وقوله تعالى: * (والله ملك السماوات والأرض) * يفيد عظمة الأمرين جميعا لأن من عظم ملكه يكون أجره وهبته في غاية العظم وعذابه وعقوبته كذلك في غاية النكال والألم.
ثم قال تعالى * (سيقول المخلفون إذا نطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا) *.
ثم قال تعالى: * (سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم) *. أوضح الله كذبهم بهذا حيث كانوا عندما يكون السير إلى مغانم يتوقعونها يقولون من تلقاء أنفسهم * (ذرونا نتبعكم) * فإذا كان أموالهم وأهلوهم شغلتهم يوم دعوتكم إياهم إلى أهل مكة، فما بالهم لا يشتغلون بأموالهم يوم الغنيمة، والمراد من المغانم مغانم أهل خيبر وفتحها وغنم المسلمون ولم يكن معهم إلا من كان معه في المدينة، وفي قوله * (سيقول المخلفون) * وعد المبايعين الموافقين بالغنيمة والمتخلفين المخالفين بالحرمان.
وقوله تعالى: * (يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل) *. يحتمل وجوها أحدها: هو ما قال الله إن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية وعاهد بها لا غير وهو الأشهر عند المفسرين، والأظهر نظرا إلى قوله تعالى: * (كذلكم قال الله من قبل) *، ثانيها: يريدون أن يبدلوا كلام الله وهو قوله * (وغضب الله عليهم) * (الفتح: 6) وذلك لأنهم لو اتبعوكم لكانوا في حكم بيعة أهل الرضوان الموعودين بالغنيمة فيكونون من الذين رضي الله عنهم كما قال تعالى: * (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) * (الفتح: 18) فلا يكونون من الذين غضب الله عليهم فيلزم تبديل كلام الله ثالثها: هو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تخلف القوم أطلعه الله على باطنهم وأظهر له نفاقهم وأنه يريد أن يعاقبهم وقال للنبي صلى الله عليه وسلم * (فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا) * (التوبة: 83) فأرادوا أن يبدلوا ذلك الكلام بالخروج معه، لا يقال فالآية