ويقرره هو أن المراد من الأيام لا يمكن أن يكون هو المفهوم في وضع اللغة، لأن اليوم عبارة في اللغة عن زمان مكث الشمس فوق الأرض من الطلوع إلى الغروب، وقبل السماوات لم يكن شمس ولا قمر لكن اليوم يطلق ويراد به الوقت يقال يوم يولد للملك ابن يكون سرور عظيم ويوم يموت فلان يكون حزن شديد، وإن اتفقت الولادة أو الموت ليلا ولا يتعين ذلك ويدخل في مراد العاقل لأنه أراد باليوم مجرد الحين والوقت، إذا علمت الحال من إضافة اليوم إلى الأفعال فافهم ما عند إطلاق اليوم في قوله: * (ستة أيام) * وقال بعض المفسرين: المراد من الآية الرد على اليهود، حيث قالوا: بدأ الله تعالى خلق العالم يوم الأحد وفرغ منه في ستة أيام آخرها يوم الجمعة واستراح يوم السبت واستلقى على عرشه فقال تعالى: * (وما مسنا من لغوب) * ردا عليهم، والظاهر أن المراد الرد على المشرك والاستدلال بخلق السماوات والأرض ومما بينهما وقوله تعالى: * (وما مسنا من لغوب) * أي ما تعبنا بالخلق الأول حتى لا نقدر على الإعادة. ثانيا: والخلق الجديد كما قال تعالى: * (أفعيينا بالخلق الأول) * (ق: 15) وأما ما قاله اليهود ونقلوه من التوراة فهو إما تحريف منهم أو لم يعلموا تأويله، وذلك لأن الأحد والاثنين أزمنة متميز بعضها عن بعض، فلو كان خلق السماوات ابتدئ يوم الأحد لكان الزمان متحققا قبل الأجسام والزمان لا ينفك عن الأجسام فيكون قبل خلق الأجسام أجسام أخر فيلزم القول بقدم العالم وهو مذهب الفلاسفة، ومن العجيب أن بين الفلاسفة والمشبهة غاية الخلاف، فإن الفلسفي لا يثبت لله تعالى صفة أصلا ويقول بأن الله تعالى لا يقبل صفة بل هو واحد من جميع الوجوه، فعلمه وقدرته وحياته هو حقيقته وعينه وذاته، والمشبهي يثبت لله صفة الأجسام من الحركة والسكون والاستواء والجلوس والصعود والنزول فبينهما منافاة، ثم إن اليهود في هذا الكلام جمعوا بين المسألتين فأخذوا بمذهب الفلاسفة في المسألة التي هي أخص المسائل بهم وهي القدم حيث أثبتوا قبل خلق الأجسام أياما معدودة وأزمنة محدودة، وأخذوا بمذهب المشبهة في المسألة التي هي أخص المسائل بهم وهي الاستواء على العرش فأخطوا (وضلوا) وأضلوا في الزمان والمكان جميعا.
* (فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب) *.
ثم قال تعالى: * (فاصبر على ما يقولون) * قال من تقدم ذكرهم من المفسرين إن معناه اصبر على ما يقولون من حديث التعب بالاستلقاء، وعلى ما قلناه معناه اصبر على ما يقولون إن هذا لشيء عجيب، * (وسبح بحمد ربك) * وما ذكرناه أقرب لأنه مذكور، وذكر اليهود وكلامهم لم يجر.
وقوله: * (وسبح بحمد ربك) * يحتمل وجوها. أحدها: أن يكون الله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة، فيكون كقوله تعالى: * (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل) * (هود: 114).
وقوله تعالى: * (قبل طلوع الشمس وقبل الغروب) * إشارة إلى طرفي النهار.