وقوله تعالى: * (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله) *. إشارة إلى أن الكف لم يكن لأمر فيهم لأنهم كفروا وصدوا وأحصروا، وكل ذلك يقتضي قتالهم، فلا يقع لأحد أن الفريقين اتفقوا، ولم يبق بينهما خلاف واصطلحوا، ولم يبق بينهما نزاع، بل الاختلاف باق والنزاع مستمر، لأنهم هم الذين كفروا وصدوكم ومنعوا فازدادوا كفرا وعداوة، وإنما ذلك للرجال المؤمنين والنساء المؤمنات، وقوله * (والهدي) * منصوب على العطف على كم في * (صدوكم) * ويجوز الجر عطفا على المسجد، أي وعن الهدي. و * (معكوفا) * حال و * (أن يبلغ) * تقديره على أن يبلغ، ويحتمل أن يقال * (أن يبلغ محله) * رفع، تقديره معكوفا بلوغه محله، كما يقال: رأيت زيدا شديدا بأسه، ومعكوفا، أي ممنوعا، ولا يحتاج إلى تقدير عن علي هذا الوجه.
وقوله تعالى: * (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم) *. وصف الرجال والنساء، يعني لولا رجال ونساء يؤمنون غير معلومين، وقوله تعالى: * (أن تطئوهم) * بدل اشتمال، كأنه قال: رجال غير معلومي الوطء فتصيبكم منهم معرة عيب أو إثم، وذلك لأنكم ربما تقتلونهم فتلزمكم الكفارة وهي دليل الإثم، أو يعيبكم الكفار بأنهم فعلوا بإخوانهم ما فعلوا بأعدائهم، وقوله تعالى: * (بغير علم) * قال الزمخشري: هو متعلق بقوله * (أن تطئوهم) * يعني تطئوهم بغير علم، وجاز أن يكون بدلا عن الضمير المنصوب في قوله * (لم تعلموهم) * ولقائل أن يقول: يكون هذا تكرارا، لأن على قولنا هو بدل من الضمير يكون التقدير: لم تعلموا أن تطئوهم بغير علم، فيلزم تكرار بغير علم الحصول بقوله * (لم تعلموهم) * فالأولى أن يقال * (بغير علم) * هو في موضعه تقديره: لم تعلموا أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم، من يعركم ويعيب عليكم، يعني إن وطأتموهم غير عالمين يصبكم مسبة الكفار * (بغير علم) * أي بجهل لا يعلمون أنكم معذورون فيه، أو نقول تقديره: لم تعلموا أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم، أي فتقتلوهم بغير علم، أو تؤذوهم بغير علم، فيكون الوطء سبب القتل، والوطء غير معلوم لكم، والقتل الذي هو بسبب المعرة وهو الوطء الذي يحصل بغير علم. أو نقول: المعرة قسمان أحدهما: ما يحصل من القتل العمد ممن هو غير العالم بحال المحل والثاني: ما يحصل من القتل خطأ، وهو