قال مقاتل، ولم يبعث الله نبيا إلى الإنس والجن قبله.
المسألة الثانية: قوله * (أجيبوا داعي الله) * أمر بإجابته في كل ما أمر به، فيدخل فيه الأمر بالإيمان إلا أنه أعاد ذكر الإيمان على التعيين، لأجل أنه أهم الأقسام وأشرفها، وقد جرت عادة القرآن بأنه يذكر اللفظ العام، ثم يعطف عليه أشرف أنواعه كقوله * (وملائكته ورسله وجبريل) * (البقرة: 98) وقوله * (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح) * (الأحزاب: 70) ولما أمر بالإيمان به ذكر فائدة ذلك الإيمان وهي قوله * (يغفر لكم من ذنوبكم) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: قال بعضهم كلمة * (من) * ههنا زائدة والتقدير: يغفر لكم ذنوبكم، وقيل بل الفائدة فيه أن كلمة * (من) * ههنا لابتداء الغاية، فكان المعنى أنه يقع ابتداء الغفران بالذنوب، ثم ينتهي إلى غفران ما صدر عنكم من ترك الأولى والأكمل.
المسألة الثانية: اختلفوا في أن الجن هل لهم ثواب أم لا؟ فقيل لا ثواب لهم إلا النجاة من النار، ثم يقال لهم كونوا ترابا مثل البهائم، واحتجوا على صحة هذا المذهب بقوله تعالى: * (ويجركم من عذاب أليم) * (الأحقاف: 31) وهو قول أبي حنيفة، والصحيح أنهم في حكم بني آدم فيستحقون الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية، وهذا القول قول ابن أبي ليلى ومالك، وجرت بينه وبين أبي حنيفة في هذا الباب مناظرة، قال الضحاك يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون، والدليل على صحة هذا القول أن كل دليل على أن البشر يستحقون الثواب على الطاعة فهو بعينه قائم في حق الجن، والفرق بين البابين بعيد جدا.
واعلم أن ذلك الجني لما أمر قومه بإجابة الرسول والإيمان به حذرهم من تلك تلك الإجابة فقال: * (ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض) * أي لا ينجي منه مهرب ولا يسبق قضاءه سابق، ونظيره قوله تعالى: * (وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا) * (الجن: 12) ولا نجد له أيضا وليا ولا نصيرا، ولا دافعا من دون الله ثم بين أنهم في ضلال مبين.
قوله تعالى * (أولم يروا أن الله الذى خلق السماوات والارض ولم يعى بخلقهن بقادر على أن يحى الموتى بلى إنه على كل شىء قدير * ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق