الصدق يقوم بالمتكلم بسبب كلامه، فكأنه قال هذا الكلام لا يحوج إلى شيء آخر حتى يصح إطلاق الصادق عليه، بل هو كاف في إطلاق الصادق لكونه سببا قويا وقوله تعالى: * (توعدون) * يحتمل أن يكون من وعد ويحتمل أن يكون من أوعد، والثاني هو الحق لأن اليمين مع المنكر بوعيد لا بوعد. وقوله تعالى:
* (وإن الدين لواقع) *.
أي الجزاء كائن، وعلى هذا فالإبعاد بالحشر في الموعد هو الحساب والجزاء هو العقاب، فكأنه بين بقوله: * (إن ما توعدون لصادق * وإن الدين لواقع) * أن الحساب يستوفي والعقاب يوفى ثم قال تعالى:
* (والسمآء ذات الحبك * إنكم لفى قول مختلف) *.
وفي تفسيره مباحث:
الأول: * (والسماء ذات الحبك) * قيل: الطرائق، وعلى هذا فيحتمل أن يكون المراد طرائق الكواكب وممراتها كما يقال في المحابك، ويحتمل أن يكون المراد ما في السماء من الأشكال بسبب النجوم، فإن في سمت كواكبها طريق التنين والعقرب والنسر الذي يقول به أصحاب الصور ومنطقة الجوزاء وغير ذلك كالطرائق، وعلى هذا فالمراد به السماء المزينة بزينة الكواكب، ومثله قوله تعالى: * (والسماء ذات البروج) * (البروج: 1) وقيل: حبكها صفاقها يقال في الثوب الصفيق حسن الحبك وعلى هذا فهو كقوله تعالى: * (والسماء ذات الرجع) * (الطارق: 11) لشدتها وقوتها وهذا ما قيل فيه.
البحث الثاني: في المقسم عليه وهو قوله تعالى: * (إنكم لفي قول مختلف) * وفي تفسيره أقوال مختلفة كلها محكمة.
الأول: إنكم لفي قول مختلف، في حق محمد صلى الله عليه وسلم، تارة يقولون إنه أمين وأخرى إنه كاذب، وتارة تنسبونه إلى الجنون، وتارة تقولون إنه كاهن وشاعر وساحر، وهذا محتمل لكنه ضعيف إذ لا حاجة إلى اليمين على هذا، لأنهم كانوا يقولون ذلك من غير إنكار حتى يؤكد بيمين.
الثاني: * (إنكم لفي قول مختلف) * أي غير ثابتين على أمر ومن لا يثبت على قول لا يكون متيقنا في اعتقاده فيكون كأنه قال تعالى، والسماء إنكم غير جازمين في اعتقادكم وإنما تظهرون الجزم لشدة عنادكم وعلى هذا القول فيه فائدة وهي أنهم لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إنك تعلم أنك غير صادق في قولك، وإنما تجادل ونحن نعجز عن الجدل قال: * (والذاريات ذروا) * أي أنك صادق ولست معاندا، ثم قال تعالى: بل أنتم والله جازمون بأني صادق فعكس الأمر عليهم. الثالث: إنك لفي قول مختلف، أي متناقض، أما في الحشر فلأنكم تقولون لا حشر ولا حياة بعد الموت ثم تقولون إنا وجدنا آباءنا على أمة، فإذا كان لا حياة بعد الموت ولا شعور للميت، فماذا يصيب آباءكم إذا خالفتموهم؟ وإنما يصح هذا ممن يقولون بأن بعد الموت عذابا فلو