إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام، وفيه نزل * (وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله) *.
واعلم أن الشعبي ومسروقا وجماعة آخرين أنكروا أن يكون الشاهد المذكور في هذه الآية هو عبد الله بن سلام قالوا لأن إسلامه كان بالمدينة قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعامين وهذه السورة مكية فكيف يمكن حمل هذه الآية المكية على واقعة حدثت في آخر عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وأجاب الكلبي بأن السورة مكية إلا هذه الآية فإنها مدنية وكانت الآية تنزل فيؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يضعها في سورة كذا فهذا الآية نزلت بالمدينة وإن الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يضعها في هذه السورة المكية في هذا الموضع المعين، ولقائل أن يقول إن الحديث الذي رويتم عن عبد الله بن سلام مشكل، وذلك لأن ظاهر الحديث يوهم أنه لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المسائل الثلاثة، وأجاب النبي صلى الله عليه وسلم بتلك الجوابات من عبد الله بن سلام لأجل أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر تلك الجوابات وهذا بعيد جدا لوجهين الأول: أن الإخبار عن أول أشراط الساعة وعن أول طعام يأكله أهل الجنة إخبار عن وقوع شيء من الممكنات، وما هذا سبيله فإنه لا يعرف كون ذلك الخبر صدقا إلا إذا عرف أولا كون المخبر صادقا فلو أنا عرفنا صدق المخبر يكون ذلك الخبر صدقا لزم الدور وإنه محال والثاني: أنا نعلم بالضرورة أن الجوابات المذكورة عن هذه المسائل لا يبلغ العلم بها إلى حد الإعجاز البتة، بل نقول الجوابات القاهرة عن المسائل الصعبة لما لم تبلغ إلى حد الإعجاز فأمثال هذه الجوابات عن هذه السؤالات كيف يمكن أن يقال إنها بلغت إلى حد الإعجاز والجواب: يحتمل أنه جاء في بعض كتب الأنبياء المتقدمين أن رسول آخر الزمان يسأل عن هذه المسائل وهو يجيب عنها بهذه الجوابات وكان عبد الله بن سلام عالما بهذا المعنى فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم وأجاب بتلك الأجوبة عرف بهذا الطريق كونه رسولا حقا من عند الله، وعلى هذا الوجه فلا حاجة بنا إلى أن نقول العلم بهذه الجوابات معجز والله أعلم.
القول الثاني: في تفسير قوله تعالى: * (وشهد شاهد من بني إسرائيل) * أنه ليس المراد منه شخصا معينا بل المراد منه أن ذكر محمد صلى الله عليه وسلم موجود في التوراة والبشارة بمقدمه حاصلة فيها فتقدير الكلام لو أن رجلا منصفا عارفا بالتوراة أقر بذلك واعترف به، ثم إنه آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وأنكرتم ألستم كنتم ظالمين لأنفسكم ضالين عن الحق؟ فهذا الكلام مقرر سواء كان المراد بذلك الشاهد شخصا معينا أو لم يكن كذلك لأن المقصود الأصلي من هذا الكلام أنه ثبت بالمعجزات القاهرة أن هذا الكتاب من عند الله وثبت أن التوراة مشتملة على البشارة بمقدم محمد صلى الله عليه وسلم ومع هذين الأمرين كيف يليق بالعقل إنكار نبوته.
المسألة الثالثة: قوله تعالى: * (على مثله) * ذكروا فيه وجوها، والأقرب أن نقول إنه صلى الله عليه وسلم قال لهم أرأيتم إن كان هذا القرآن من عند الله كما أقول وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثل ما قلت فآمن واستكبرتم ألستم كنتم ظالمين أنفسكم.