سورة ص حيث قال فيه * (وعجبوا أن جاءهم منذر) * (ص: 4) وقال: * (أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب) * (ص: 5) ذكر تعجبهم من أمرين والظاهر أن قولهم * (هذا شيء عجيب) * إشارة إلى مجيء المنذر لا إلى الحشر ويدل عليه وجوه الأول: هو أن هناك ذكر * (إن هذا لشيء عجاب) * بعد الاستفهام الإنكاري فقال: * (أجعل الآلهة إلها واحدا، إن هذا لشيء عجاب) * وقال ههنا * (هذا شيء عجيب) * ولم يكن ما يقع الإشارة إليه إلا مجيء المنذر.
ثم قالوا: * (أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد) * الثاني: ههنا وجد بعد الاستبعاد بالاستفهام أمر يؤدي معنى التعجب وهو قولهم * (ذلك رجع بعيد) * فإنه استبعاد وهو كالتعجب فلو كان التعجب أيضا عائدا إليه لكان كالتكرار، فإن قيل التكرار الصريح يلزم من جعل قولك * (هذا شيء عجيب) * عائدا إلى مجيء المنذر، فإن تعجبهم منه علم من قوله * (عجبوا أن جاءهم) * فقوله * (هذا شيء عجيب) * يكون تكرارا، نقول ذلك ليس بتكرار بل هو تقرير، وذلك لأنه لما قال: * (بل عجبوا) * بصيغة الفعل وجاز أن يتعجب الإنسان مما لا يكون عجيبا كما قال تعالى: * (أتعجبين من أمر الله) * (هود: 73) ويقال في العرف لا وجه لتعجبك مما ليس بعجب فكأنهم لما عجبوا قيل لهم لا معنى لفعلكم وعجبكم فقالوا * (هذا شيء عجيب) * فكيف لا نعجب منه، ويدل عليه أنه تعالى قال ههنا * (فقال الكافرون) * بحرف الفاء، وقال في ص * (وقال الكافرون هذا ساحر كذاب) * (ص: 4) لأن قولهم * (ساحر كذاب) * كان تعنتا غير مرتب على ما تقدم، و * (هذا شيء عجيب) * أمر مرتب على ما تقدم أي عجبوا وأنكروا عليه ذلك، فقالوا * (هذا شيء عجيب) * فكيف لا نعجب منه، ويدل عليه أيضا قوله تعالى: * (ذلك رجع بعيد) * (ق: 3) بلفظ الإشارة إلى البعد، وقوله هذا إشارة إلى الحاضر القريب، فينبغي أن يكون المشار إليه بذلك غير المشار إليه بهذا، وذلك لا يصح إلا على قولنا.
* (أءذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد) *.
فإنهم لما أظهروا العجب من رسالته أظهروا استبعاد كلامه، وهذا كما قال تعالى عنهم * (قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم) * (سبأ: 43)، * (وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى) * (سبأ: 43) وفيه مسائل:
المسألة الأولى: فقوله * (أئذا متنا وكنا ترابا) * إنكار منهم بقول أو بمفهوم دل عليه قوله تعالى: * (جاءهم منذر) * (ق: 2) لأن الإنذار لما لم يكن إلا بالعذاب المقيم والعقاب الأليم، كان فيه الإشارة للحشر، فقالوا * (أئذا متنا وكنا ترابا) *.
المسألة الثانية: ذلك إشارة إلى ما قاله وهو الإنذار، وقوله * (هذا شيء عجيب) * (ق: 2) إشارة إلى المجيء على ما قلنا، فلما اختلفت الصفتان نقول المجيء والجائي كل واحد حاضر. وأما الإنذار وإن كان حاضرا لكن لكون المنذر به لما كان غير حاضر قالوا فيه ذلك، الرجع مصدر رجع يرجع إذا