صورة كون الكلام مع المؤمن أدخل الباء على الضر، فقال: * (إن أرادني الله بضر) * (الزمر: 38) وقال: * (وإن يمسسك الله بضر) * (الأنعام: 17) وفي صورة كون الكلام مع الكافر أدخل الباء عل الكافر، فقال ههنا * (إن أراد بكم ضرا) * وقال: * (من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا) * (الأحزاب: 17) وقد ذكرنا الفرق الفائق هناك، ولا نعيده ليكون هذا باعثا على مطالعة تفسير سورة يس، فإنها درج الدرر اليتيمة، * (بل كان الله بما تعملون خبيرا) * أي بما تعملون من إظهار الحرب وإضمار غيره.
ثم قال تعالى * (بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك فى قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا) *.
يعني لم يكن تخلفكم لما ذكرتم * (بل ظننتم أن لن ينقلب) * وأن مخففة من الثقيلة، أي ظننتم أولا، فزين الشيطان ظنكم عندكم حتى قطعتم به، وذلك لأن الشبهة قد يزينها الشيطان، ويضم إليها مخايلة يقطع بها الغافل، وإن كان لا يشك فيها العاقل، وقوله تعالى: * (وظننتم ظن السوء) * يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون هذا العطف عطفا يفيد المغايرة، فقوله * (وظننتم ظن السوء) * غير الذي في قوله * (بل ظننتم) * وحينئذ يحتمل أن يكون الظن الثاني معناه: وظننتم أن الله يخلف وعده، أو ظننتم أن الرسول كاذب في قوله وثانيهما: أن يكون قوله * (وظننتم ظن السوء) * هو ما تقدم من ظن أن لا ينقلبوا، ويكون على حد قول القائل: علمت هذه المسألة وعلمت كذا، أي هذه المسألة لا غيرها، وذلك كأنه قال: بل ظننتم ظن أن لن ينقلب. وظنكم ذلك فاسد، وقد بينا التحقيق في ظن السوء، وقوله تعالى: * (وكنتم قوما بورا) * يحتمل وجهين أحدهما: وصرتم بذلك الظن بائرين هالكين وثانيهما: أنتم في الأصل بائرون وظننتم ذلك الظن الفاسد.
ثم قال تعالى * (ومن لم يؤمن باالله ورسوله فإنآ أعتدنا للكافرين سعيرا) *.
على قولنا: * (وظننتم ظن السوء) * (الفتح: 12) ظن آخر غير ما في قوله * (بل ظننتم) * ظاهر، لأنا بينا أن ذلك ظنهم بأن الله يخلف وعده أو ظنهم بأن الرسول كاذب فقال: * (ومن لم يؤمن بالله ورسوله) * ويظن به خلفا وبرسوله كذبا فإنا أعتدنا له سعيرا، وفي قوله * (للكافرين) * بدلا عن أن يقول فإنا أعتدنا له فائدة وهي التعميم كأنه تعالى قال: ومن لم يؤمن بالله فهو من الكافرين وإنا أعتدنا للكافرين سعيرا.