كافة قال تعالى: * (يضرب الله للناس أمثالهم) * على أنفسهم وثانيهما: إلى الفريقين السابقين في الذكر معناه: يضرب الله للناس أمثال الفريقين السابقين.
ثم قال تعالى * (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذآ أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فدآء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشآء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا فى سبيل الله فلن يضل أعمالهم) *.
ثم قال تعالى: * (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الفاء في قوله * (فإذا لقيتم) * يستدعي متعلقا يتعلق به ويترتب عليه، فما وجه التعلق بما قبله؟ نقول هو من وجوه: الأول: لما بين أن الذين كفروا أضل الله أعمالهم واعتبار الإنسان بالعمل، ومن لم يكن له عمل فهو همج فإن صار مع ذلك يؤذي حسن إعدامه * (فإذا لقيتم) * بعد ظهور أن لا حرمة لهم وبعد إبطال أعمالهم، فاضربوا أعناقهم الثاني: إذا تبين تباين الفريقين وتباعد الطريقين، وأن أحدهما يتبع الباطل وهو حزب الشيطان، والآخر يتبع الحق وهو حزب الرحمن حق القتال عند التحزب، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم الثالث: أن من الناس من يقول لضعف قلبه وقصور نظره إيلام الحيوان من الظلم والطغيان، ولا سيما القتل الذي هو تخريب بنيان، فيقال ردا عليهم: لما كان اعتبار الأعمال باتباع الحق والباطل فمن يقتل في سبيل الله لتعظيم أمر الله لهم من الأجر ما للمصلي والصائم، فإذا لقيتم الذين كفروا فاقتلوهم ولا تأخذكم بهما رأفة فإن ذلك اتباع للحق والاعتبار به لا بصورة الفعل.
المسألة الثانية: * (فضرب) * منصوب على المصدر، أي فاضربوا ضرب الرقاب.
المسألة الثالثة: ما الحكمة في اختيار ضرب الرقبة على غيرها من الأعضاء نقول فيه: لما بين أن المؤمن ليس يدافع إنما هو دافع، وذلك أن من يدفع الصائل لا ينبغي أن يقصد أولا مقتله بل يتدرج ويضرب على غير المقتل، فإن اندفع فذاك ولا يترقى إلى درجة الإهلاك، فقال تعالى ليس المقصود إلا دفعهم عن وجه الأرض، وتطهير الأرض منهم، وكيف لا والأرض لكم مسجد، والمشركون نجس، والمسجد يطهر من النجاسة، فإذا ينبغي أن يكون قصدكم أولا إلى قتلهم بخلاف دفع الصائل، والرقبة أظهر المقاتل لأن قطع الحلقوم والأوداج مستلزم للموت لكن في الحرب لا يتهيأ ذلك، والرقبة ظاهرة في الحرب ففي ضربها حز العنق وهو مستلزم للموت بخلاف سائر المواضع، ولا سيما في الحرب، وفي قوله * (لقيتم) * ما ينبئ عن مخالفتهم الصائل لأن قوله * (لقيتم) * يدل على أن القصد من جانبهم بخلاف قولنا لقيكم، ولذلك قال في غير هذا الموضع * (واقتلوهم حيث ثقفتموهم) * (البقرة: 191). المسألة الرابعة: قال ههنا * (ضرب الرقاب) * بإظهار المصدر وترك الفعل، وقال في الأنفال * (فاضربوا فوق الأعناق) * (الأنفال: 12) بإظهار الفعل، وترك المصدر، فهل فيه فائدة؟ نقول نعم ولنبينها بتقديم مقدمة، وهي أن المقصود أولا في بعض السور قد يكون صدور الفعل من فاعل ويتبعه المصدر