كأنبياء بني إسرائيل مدة، وكيف وآدم لما أرسل لم يكذب الثاني: ما الحكمة في تقدير الله تكذيب الرسل، ولم يرسل رسولا مع كثرتهم واختلاف معجزاتهم بحيث يصدقه أهل زمانه؟ الثالث: قوله * (ما أتى... إلا قالوا) * دليل على أنهم كلهم قالوا ساحر، وليس كذلك لأنه ما من رسول إلا وآمن به قوم، وهم ما قالوا ذلك والجواب عن الأول: هو أن نقول، أما المقرر فلا نسلم أنه رسول، بل هو نبي على دين رسول، ومن كذب رسوله فهو مكذبه أيضا ضرورة. وعن الثاني: هو أن الله لا يرسل إلا عند حاجة الخلق، وذلك عند ظهور الكفار في العلم، ولا يظهر الكفر إلا عند كثرة الجهل، ثم إن الله تعالى لا يرسل رسولا مع كون الإيمان به ضروريا، وإلا لكان الإيمان به إيمان اليأس فلا يقبل، والجاهل إذا لم يكن المبين له في غاية الوضوح لا يقبله فيبقى في ورطة الضلالة، فهذا قدر لزم بقضاء الله على الخلق على هذا الوجه، وقد ذكرنا مرة أخرى أن بعض الناس يقول: كل ما هو قضاء الله فهو خير، والشر في القدر، فالله قضى بأن النار فيها مصلحة للناس لأنها نور، ويجعلونها متاعا في الأسفار وغيرها كما ذكر الله، والماء فيه مصلحة الشرب، لكن النار إنما تتم مصلحتها بالحرارة البالغة والماء بالسيلان القوي، وكونهما كذلك يلزمهما بإجراء الله عادته عليهما أن يحرق ثوب الفقير، ويغرق شاة المسكين، فالمنفعة في القضاء والمضرة في القدر، وهذا الكلام له غور، والسنة أن نقول (يفعل الله ما يشاء، ويحكم ما يريد) وعن الثالث: أن ذلك ليس بعام، فإنه لم يقل إلا قال كلهم، وإنما قال: * (إلا قالوا) * ولما كان كثير منهم، بل أكثرهم قائلين به، قال الله تعالى: * (إلا قالوا) * فإن قيل: فلم لم يذكر المصدقين، كما ذكر المكذبين، وقال إلا قال بعضهم صدقت، وبعضهم كذبت؟ نقول لأن المقصود التسلية وهي على التكذيب، فكأنه تعالى قال: لا تأس على تكذيب قومك، فإن أقواما قبلك كذبوا، ورسلا كذبوا.
* (أتواصوا به بل هم قوم طاغون) *.
ثم قال تعالى: * (أتواصوا به بل هم قوم طاغون) * أي بذلك القول، وهو قولهم * (ساحر أو مجنون) * ومعناه التعجيب، أي كيف اتفقوا على قول واحد كأنهم تواطؤا عليه، وقال بعضهم لبعض: لا تقولوا إلا هذا، ثم قال: لم يكن ذلك على التواطؤ، وإنما كان لمعنى جامع هو أن الكل أترفوا فاستغنوا فنسوا الله وطغوا فكذبوا رسله، كما أن الملك إذا أمهل أهل بقعة، ولم يكلفهم بشيء، ثم قعد بعد مدة وطلبهم إلى بابه يصعب عليهم لاتخاذهم القصور والجنان، وتحسين بلادهم من الوجوه الحسان، فيحملهم ذلك على العصيان، والقول بطاعة ملك آخر.
* (فتول عنهم فمآ أنت بملوم) *.
هذه تسلية أخرى، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان من كرم الأخلاق ينسب نفسه إلى تقصير، ويقول إن عدم إيمانهم لتقصيري في التبليغ