صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى: " أنا عند ظن عبدي بي "؟ نقول أما الظن فهو خلاف العلم وقد استعمل مجازا مكان العلم والعلم مكانه، وأصل العلم الظهور ومنه العلم والعالم وقد بينا في تفسير العالمين أن حروف ع ل م في تقاليبها فيها معنى الظهور، ومنها لمع الآل إذا ظهر وميض السراب ولمع الغزال إذا عدا وكذا النعام وفيه الظهور وكذلك علمت، والظن إذا كان في مقابلة العلم ففيه الخفاء ومنه بئر ظنون لا يدري أفيها ماء أم لا، ومنه الظنين المتهم لا يدري ما يظن، نقول يجوز بناء الأمر على الظن الغالب عند العجز عن درك اليقين والاعتقاد ليس كذلك لأن اليقين لم يتعذر علينا وإلى هذا إشارة بقول * (ولقد جاءهم من ربهم الهدى) * (النجم: 23) أي اتبعوا الظن، وقد أمكنهم الأخذ باليقين وفي العمل يمتنع ذلك أيضا.
المسألة الثالثة: * (ما) * في قوله تعالى: * (وما تهوى الأنفس) * خبرية أو مصدرية؟ نقول فيه وجهان أحدهما: مصدرية كأنه قال: إن يتبعون إلا الظن وهوى الأنفس، فإن قيل ما الفائدة في العدول عن صريح المصدر إلى الفعل مع زيادة ما وفيه تطويل؟ نقول فيه فائدة، وإنها في أصل الوضع ثم نذكرها هنا فنقول إذا قال القائل أعجبني صنعك يعلم من الصيغة أن الإعجاب من مصدر قد تحقق وكذلك إذا قال أعجبني ما تصنع يعلم أن الإعجاب من مصدر هو فيه فلو قال أعجبني صنعك وله صنع أمس وصنع اليوم لا يعلم أن المعجب أي صنع هو إذا علمت هذا فنقول ههنا قوله * (وما تهوى الأنفس) * يعلم منه أن المراد أنهم يتبعون ما تهوى أنفسهم في الحال والاستقبال إشارة إلى أنهم ليسوا بثابتين على ضلال واحد وما هوت أنفسهم في الماضي شيئا من أنواع العبادة فالتزموا به وداموا عليه بل كل يوم هم يستخرجون عبادة، وإذا انكسرت أصنامهم اليوم أتوا بغيرها غدا ويغيرون وضع عبادتهم بمقتضى شهوتهم اليوم ثانيهما: أنها خبرية تقديره، والذي تشتهيه أنفسهم والفرق بين المصدرية والخبرية أن المتبع على الأول الهوى وعلى الثاني مقتضى الهوى كما إذا قلت أعجبني مصنوعك.
المسألة الرابعة: كيف قال: * (وما تهوى الأنفس) * بلفظ الجمع مع أنهم لا يتبعون ما تهواه كل نفس فإن من النفوس ما لا تهوى ما تهواه غيرها؟ نقول هو من باب مقابلة الجمع بالجمع معناه اتبع كل واحد منهم ما تهواه نفسه يقال خرج الناس بأهليهم أي كل واحد بأهله لا كل واحد بأهل الجمع. المسألة الخامسة: بين لنا معنى الكلام جملة، نقول قوله تعالى: * (إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس) * أمران مذكوران يحتمل أن يكون ذكرهما لأمرين تقدير بين يتبعون الظن في الاعتقاد ويتبعون ما تهوى الأنفس في العمل والعبادة وكلاهما فاسد، لأن الاعتقاد ينبغي أن يكون مبناه على اليقين، وكيف يجوز اتباع الظن في الأمر العظيم، وكلما كان الأمر أشرف وأخطر كان الاحتياط فيه أوجب وأحذر، وأما العمل فالعبادة مخالفة الهوى فكيف تنبئ على متابعته، ويحتمل أن يكون في أمر واحد على طريقة النزول درجة درجة فقال: * (إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس) * أي وما دون الظن لأن القرونة تهوى ما لا يظن به خير وقوله تعالى: * (ولقد جاءهم من ربهم الهدى) * (النجم: 23) إشارة