دونه في الظهور، وما جوزنا تأخير ما عن أحد شطري الكلام أيضا بخلاف ليس، حيث لا يجوز أن يقول القائل: زيد ما بظلام، إلا أن يعيد ما يرجع إليه فيقول زيد ما هو بظلام فصار بينهما ترتيب ما يوجه، وليس يؤخر عن أحد الشطرين ولا يؤخر في الكلام بالكلية، وكان يؤخر بالكلية لما ذكرنا من الظهور والخفاء، فكذلك القول في إلحاق الباء كان ينبغي أن لا يصح إخلاء خبر ما عن الباء، وفي ليس يجوز الأمران، وفي كان لا يجوز الإدخال، وهذا هو المعتمد عليه في لغة بني تميم حيث قالوا: إن ما بعد ما إذا جعل خبرا يجب إدخال الباء عليه فإن لم تدخل عليه يكون ذلك معربا على الابتداء أو على وجه آخر ولا يكون خبرا، والجواب عن السؤال هو أن نقول الأكثر إدخال الباء في خبر ما ولا سيما في القرآن قال الله تعالى: * (وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم) * (الروم: 53)، * (وما أنت بمسمع) * (فاطر: 22)، * (وما هم بخارجين) * (البقرة: 167)، * (وما أنا بظلام) * وأما الوجوب فلا لأن ما أشبه ليس في المعنى في الحقيقة وخالفها في العوارض وهو لحوق التاء والنون، وأما في المعنى فهما لنفي الحال فالشبه مقتض لجواز الإخلاء والمخالفة مقتضية لوجوب الإدخال، لكن ذلك المقتضي أقوى لأنه راجع إلى الأمر الحقيقي، وهذا راجع إلى الأمر العارضي وما بالنفس أقوى مما بالعارض، وأما التقديم والتأخير فلا يلزم منه وجوب إدخال الباء، وأما الكلام في اللام فنقول اللام لتحقيق معنى الإضافة يقال غلام زيد وغلام لزيد، وهذا في الإضافات الحقيقية بإثبات التنوين فيه، وأما في الإضافات اللفظية كقولنا: ضارب زيد وقاتل عمرو، فإن الإضافة فيه غير معنوية فإذا خرج الضارب عن كونه مضافا بإثبات التنوين فقد كان يجب أن يعاد الأصل وينصب ما كان مضافا إليه الفاعل بالمفعول به ولا يؤتى باللام لأنه حينئذ لم تبق الإضافة في اللفظ، ولم تكن الإضافة في المعنى، غير أن اسم الفاعل منحط الدرجة عن الفعل فصار تعلقه بالمفعول أضعف من تعلق الفعل بالمفعول، وصار من باب الأفعال الضعيفة التعلق حيث بينا جواز تعديتها إلى المفعول بحرف وغير حرف، فلذلك جاز أن يقال: ضارب زيد أو ضارب لزيد، كما جاز: مسحته ومسحت به وشكرته وشكرت له، وذلك إذا تقدم المفعول كما في قوله تعالى: * (إن كنتم للرؤيا تعبرون) * (يوسف: 43) للضعف، وأما المعنوية فمباحث:
الأول: الظلام مبالغة في الظالم ويلزم من إثباته إثبات أصل الظلم إذا قال القائل هو كذاب يلزم أن يكون كاذبا كثر كذبه، ولا يلزم من نفيه نفي أصل الكذب لجواز أن يقال فلان ليس بكذاب كثير الكذب لكنه يكذب أحيانا ففي قوله تعالى: * (وما أنا بظلام) * لا يفهم منه نفي أصل الظلم والله ليس بظالم فما الوجه فيه؟ نقول: الجواب عنه من ثلاثة أوجه: أحدها: أن الظلام بمعنى الظالم كالتمار بمعنى التامر وحينئذ يكون اللام في قوله: * (للعبيد) * لتحقيق النسبة لأن الفعال حينئذ بمعنى ذي ظلم، وهذا وجه جيد مستفاد من الإمام زين الدين أدام الله فوائده. والثاني: ما ذكره الزمخشري وهو أن ذلك أمر تقديري كأنه تعالى يقول: لو ظلمت عبدي الضعيف الذي هو محل الرحمة لكان ذلك غاية الظلم، وأما أنا بذلك فيلزم من نفي كونه ظلاما نفي كونه ظالما، ويحقق هذا الوجه