عليه الأنبياء وقوله تعالى: * (ودين الحق) * يحتمل وجوها: أحدها: أن يكون الحق اسم الله تعالى فيكون كأنه قال: بالهدى ودين الله، وثانيها: أن يكون الحق نقيض الباطل فيكون كأنه قال: ودين الأمر الحق وثالثها: أن يكون المراد به الانقياد إلى الحق والتزامه * (ليظهره) * أي أرسله بالهدى وهو المعجز على أحد الوجوه * (ليظهره على الدين كله) * أي جنس الدين، فينسخ الأديان دون دينه، وأكثر المفسرين على أن الهاء في قوله * (ليظهره) * راجعة إلى الرسول، والأظهر أنه راجع إلى دين الحق أي أرسل الرسول بالدين الحق ليظهره أي ليظهر الدين الحق على الأديان، وعلى هذا فيحتمل أن يكون الفاعل للاظهار هو الله، ويحتمل أن يكون هو النبي أي ليظهر النبي دين الحق، وقوله تعالى: * (وكفى بالله شهيدا) * أي في أنه رسول الله وهذا مما يسلي قلب المؤمنين فإنهم تأذوا من رد الكفار عليهم العهد المكتوب، وقالوا لا نعلم أنه رسول الله فلا تكتبوا محمد رسول الله بل اكتبوا محمد بن عبد الله، فقال تعالى: * (وكفى بالله شهيدا) * في أنه رسول الله، وفيه معنى لطيف وهو أن قول الله مع أنه كاف في كل شيء، لكنه في الرسالة أظهر كفاية، لأن الرسول لا يكون إلا بقول المرسل، فإذا قال ملك هذا رسولي، لو أنكر كل من في الدنيا أنه رسول فلا يفيد إنكارهم فقال تعالى أي خلل في رسالته بإنكارهم مع تصديقي إياه بأنه رسولي، وقوله * (محمد رسول الله) * فيه وجوه أحدها: خبر مبتدأ محذوف تقديره هو محمد الذي سبق ذكره بقوله * (أرسل رسوله) * ورسول الله عطف بيان وثانيها: أن محمدا مبتدأ خبره رسول الله وهذا تأكيد لما تقدم لأنه لما قال: * (هو الذي أرسل رسوله) * ولا تتوقف رسالته إلا على شهادته، وقد شهد له بها محمد رسول الله من غير نكير وثالثها: وهو مستنبط وهو أن يقال * (محمد) * مبتدأ و * (رسول الله) * عطف بيان سيق للمدح لا للتمييز * (والذين معه) * عطف على محمد، وقوله * (أشداء) * خبره، كأنه تعالى قال: * (والذين معه) * جميعهم * (أشداء على الكفار رحماء بينهم) * لأن وصف الشدة والرحمة وجد في جميعهم، أما في المؤمنين فكما في قوله تعالى: * (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) * (المائدة: 54) وأما في حق النبي صلى الله عليه وسلم فكما في قوله * (واغلظ عليهم) * (التوبة: 73) وقال في حقه * (بالمؤمنين رؤوف رحيم) * (التوبة: 128) وعلى هذا قوله * (تراهم) * لا يكون خطابا مع النبي صلى الله عليه وسلم بل يكون عاما أخرج مخرج الخطاب تقديره أيها السامع كائنا من كان، كما قلنا إن الواعظ يقول انتبه قبل أن يقع الانتباه ولا يريد به واحدا بعينه، وقوله تعالى: * (يبتغون فضلا من الله ورضوانا) * لتمييز ركوعهم وسجودهم عن ركوع الكفار وسجودهم، وركوع المرائي وسجوده، فإنه لا يبتغي به ذلك. وفيه إشارة إلى معنى لطيف وهو أن الله تعالى قال الراكعون والساجدون * (ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله) * (فاطر: 30) وقال الراكع يبتغي الفضل ولم يذكر الأجر لأن الله تعالى إذا قال لكم أجر كان ذلك منه تفضلا، وإشارة إلى أن عملكم جاء على ما طلب الله منكم، لأن الأجرة لا تستحق إلا على العمل الموافق للطلب من المالك، والمؤمن إذا قال أنا أبتغي فضلك يكون منه اعترافا
(١٠٧)