وتأخير تقديره: صدق الله رسوله بالحق الرؤيا، أي الرسول الذي هو رسول بالحق وفيه إشارة إلى امتناع الكذب في الرؤيا لأنه لما كان رسولا بالحق فلا يرى في منامه الباطل والثاني: أن يقال بأن قوله * (لتدخلن المسجد الحرام) * إن قلنا بأن الحق قسم فأمر اللام ظاهر، وإن لم يقل به فتقديره: لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق، والله لتدخلن، وقوله: والله لتدخلن، جاز أن يكون تفسيرا للرؤيا يعني الرؤيا هي: والله لتدخلن، وعلى هذا تبين أن قوله * (صدق الله) * كان في الكلام لأن الرؤيا كانت كلاما، ويحتمل أن يكون تحقيقا لقوله تعالى: * (صدق الله رسوله) * يعني والله ليقعن الدخول وليظهرن الصدق فلتدخلن ابتداء كلام وقوله تعالى: * (إن شاء الله) * فيه وجوه أحدها: أنه ذكره تعليما للعباد الأدب وتأكيدا لقوله تعالى: * (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا * إلا أن يشاء الله) * (الكهف: 23، 24) الثاني: هو أن الدخول لما لم يقع عام الحديبية، وكان المؤمنون يريدون الدخول ويأبون الصلح قال: * (لتدخلن) * ولكن لا بجلادتكم ولا بإرادتكم، إنما تدخلون بمشيئة الله تعالى الثالث: هو أن الله تعالى لما قال في الوحي المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم * (لتدخلن) * ذكر أنه بمشيئة الله تعالى، لأن ذلك من الله وعد ليس عليه دين، ولا حق واجب، ومن وعد بشيء لا يحققه إلا بمشيئة الله تعالى وإلا فلا يلزمه به أحد، وإذا كان هذا حال الموعود به في الوحي المنزل صريحا في اليقظة فما ظنكم بالوحي بالمنام وهو يحتمل التأويل أكثر مما يحتمله الكلام، فإذا تأخر الدخول لم يستهزئون؟ الرابع: هو أن ذلك تحقيقا للدخول وذلك لأن أهل مكة قالوا لا تدخلوها إلا بإرادتنا ولا نريد دخولكم في هذه السنة، ونختار دخولكم في السنة القابلة، والمؤمنون أرادوا الدخول في عامهم ولم يقع. فكان لقائل أن يقول بقي الأمر موقوفا على مشيئة أهل مكة إن أرادوا في السنة الآتية يتركوننا ندخلها وإن كرهوا لا ندخلها فقال لا تشترط إرادتهم ومشيئتهم، بل تمام الشرط بمشيئة الله، وقوله * (محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون) * إشارة إلى أنكم تتمون الحج من أوله إلى آخره، فقوله * (لتدخلن) * إشارة إلى الأول وقوله * (محلقين) * إشارة إلى الآخر، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: * (محلقين) * حال الداخلين والداخل لا يكون الآن محرما، والمحرم لا يكون محلقا، فقوله * (آمنين) * ينبئ عن الدوام فيه إلى الحلق فكأنه قال: تدخلونها آمنين متمكنين من أن تتموا الحج محلقين.
المسألة الثانية: قوله تعالى: * (لا تخافون) * أيضا حال معناه غير خائفين، وذلك حصل بقوله تعالى: * (آمنين) * فما الفائدة في إعادتها؟ نقول: فيه بيان كمال الأمن، وذلك لأن بعد الحلق يخرج الإنسان عن الإحرام فلا يحرم عليه القتال، وكان عند أهل مكة يحرم قتال من أحرم ومن دخل الحرم فقال: تدخلون آمنين، وتحلقون، ويبقى أمنكم بعد خروجكم عن الإحرام، وقوله تعالى: * (فعلم ما لم تعلموا) * أي من المصلحة وكون دخولكم في سنتكم سببا لوطء المؤمنين والمؤمنات