كما تقول أتذكر زيدا، وعلى هذا يكون الظرف للفعل المضاف إليه عاملا فيه، وفي. لطائف معنوية ولفظية: الأولى: هو أن الله تعالى أبان غاية البون بين الكافر والمؤمن، فأشار إلى ثلاثة أشياء أحدها: جعل ما للكافرين بجعلهم فقال: * (إذ جعل الذين كفروا) * وجعل ما للمؤمنين بجعل الله، فقال: * (فأنزل الله) * وبين الفاعلين ما لا يخفى ثانيها: جعل للكافرين الحمية وللمؤمنين السكينة وبين المفعولين تفاوت على ما سنذكره ثالثها: أضاف الحمية إلى الجاهلية وأضاف السكينة إلى نفسه حيث قال: حمية الجاهلية، وقال: سكينته، وبين الإضافتين ما لا يذكر الثانية: زاد المؤمنين خيرا بعد حصول مقابلة شيء بشيء فعلهم بفعل الله والحمية بالسكينة والإضافة إلى الجاهلية بالإضافة إلى الله تعالى: * (وألزمهم كلمة التقوى) * وسنذكر معناه، وأما اللفظية فثلاث لطائف الأولى: قال في حق الكافر (جعل) وقال في حق المؤمن (أنزل) ولم يقل خلق ولا جعل سكينته إشارة إلى أن الحمية كانت مجعولة في الحال في العرض الذي لا يبقى، وأما السكينة فكانت كالمحفوظة في خزانة الرحمة معدة لعباده فأنزلها الثانية: قال الحمية ثم أضافها بقوله * (حمية الجاهلية) * لأن الحمية في نفسها صفة مذمومة وبالإضافة إلى الجاهلية تزداد قبحا، وللحمية في القبح درجة لا يعتبر معها قبح القبائح كالمضاف إلى الجاهلية. وأما السكينة في نفسها وإن كانت حسنة لكن الإضافة إلى الله فيها من الحسن ما لا يبقى معه لحسن اعتبار، فقال * (سكينته) * اكتفاه بحسن الإضافة الثالثة: قوله * (فأنزل) * بالفاء لا بالواو إشارة إلى أن ذلك كالمقابلة تقول أكرمني فأكرمته للمجازاة والمقابلة ولو قلت أكرمني وأكرمته لا ينبئ عن ذلك، وحينئذ يكون فيه لطيفة: وهي أن عند اشتداد غضب أحد العدوين فالعدو الآخر إما أن يكون ضعيفا أو قويا، فإن كان ضعيفا ينهزم وينقهر، وإن كان قويا فيورث غضبه فيه غضبا، وهذا سبب قيام الفتن والقتال فقال في نفس الحركة عند حركتهم ما أقدمنا وما انهزمنا، وقوله تعالى: * (فأنزل الله) * بالفاء يدل تعلق الإنزال بالفاء على ترتيبه على شيء، نقول فيه وجهان: أحدهما: ما ذكرنا من أن إذ ظرف كأنه قال أحسن الله * (إذ جعل الذين كفروا) * وقوله * (فأنزل) * تفسير لذلك الإحسان كما يقال أكرمني فأعطاني لتفسير الإكرام وثانيهما: أن تكون الفاء للدلالة على أن تعلق إنزال السكينة بجعلهم الحمية في قلوبهم على معنى المقابلة، تقول أكرمني فأثنيت عليه، ويجوز أن يكونا فعلين واقعين من غير مقابلة، كما تقول جاءني زيد وخرج عمرو، وهو هنا كذلك لأنهم لما جعلوا في قلوبهم الحمية فالمسلمون على مجرى العادة لو نظرت إليهم لزم أن يوجد منهم أحد الأمرين: إما إقدام، وإما انهزام لأن أحد العدوين إذا اشتد غضبه فالعدو الآخر إن كان مثله في القوة يغضب أيضا وهذا يثير الفتن، وإن كان أضعف منه ينهزم أو ينقاد له فالله تعالى أنزل في مقابلة حمية الكافرين على المؤمنين سكينته حتى لم يغضبوا ولم ينهزموا بل يصبروا، وهو بعيد في العادة فهو من فضل الله تعالى، قوله تعالى: * (على رسوله وعلى المؤمنين) * فإنه هو الذي أجاب الكافرين إلى الصلح، وكان في نفس المؤمنين أن لا يرجعوا إلا بأحد الثلاثة بالنحر في المنحر، وأبوا أن
(١٠٢)