لا يكتبوا محمدا رسول الله وبسم الله، فلما سكن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكن المؤمنون، وقوله تعالى: * (وألزمهم كلمة التقوى) * فيه وجوه أظهرها أنه قول لا إله إلا الله فإن بها يقع الاتقاء عن الشرك، وقيل هو بسم الله الرحمن الرحيم ومحمد رسول الله فإن الكافرين أبوا ذلك والمؤمنون التزموه، وقيل هي الوفاء بالعهد إلى غير ذلك ونحن نوضح فيه ما يترجح بالدليل فنقول * (وألزمهم) * يحتمل أن يكون عائدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين جميعا يعني ألزم النبي والمؤمنين كلمة التقوى، ويحتمل أن يكون عائدا إلى المؤمنين فحسب، فإن قلنا إنه عائد إليهما جميعا نقول هو الأمر بالتقوى فإن الله تعالى قال للنبي صلى الله عليه وسلم: * (يا أيها النبي اتق ولا تطع الكافرين) * (الأحزاب: 1) وقال للمؤمنين * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته) * (آل عمران: 102) والأمر بتقوى الله حتى تذهله تقواه عن الالتفات إلى ما سوى الله، كما قال في حق النبي صلى الله عليه وسلم * (اتق الله ولا تطع الكافرين) * وقال تعالى: * (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) * ( الأحزاب: 77) ثم بين له حال من صدقه بقوله * (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله) * (الأحزاب: 39) أما في حق المؤمنين فقال: * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته) * وقال: * (فلا تخشوهم واخشوني) * (البقرة: 150) وإن قلنا بأنه راجع إلى المؤمنين فهو قوله تعالى: * (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) * (الحشر: 7) ألا ترى إلى قوله * (واتقوا الله) * (الحجرات: 1) وهو قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) * وفي معنى قوله تعالى: * (وألزمهم كلمة التقوى) * على هذا معنى لطيف وهو أنه تعالى إذا قال: (اتقوا) يكون الأمر واردا ثم إن من الناس من يقبله بتوفيق الله ويلتزمه ومنهم من لا يلتزمه، ومن التزمه فقد التزمه بإلزام الله إياه فكأنه قال تعالى: * (وألزمهم كلمة التقوى) * وفي هذا المعنى رجحان من حيث إن التقوى وإن كان كاملا ولكنه أقرب إلى الكلمة، وعلى هذا فقوله * (وكانوا أحق بها وأهلها) * معناه أنهم كانوا عند الله أكرم الناس فألزموا تقواه، وذلك لأن قوله تعالى: * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * (الحجرات: 13) يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون معناه أن من يكون تقواه أكثر يكرمه الله أكثر والثاني: أن يكون معناه أن من سيكون أكرم عند الله وأقرب إليه كان أتقى، كما في قوله " والمخلصون على خطر عظيم " وقوله تعالى: * (هم من خشية ربهم مشفقون) * (المؤمنون: 57) وعلى الوجه الثاني يكون معنى قوله * (وكانوا أحق بها) * لأنهم كانوا أعلم بالله لقوله تعالى: * (إنما يخشى الله من عباده العلماء) * (فاطر: 28) وقوله * (وأهلها) * يحتمل وجهين أحدهما: أنه يفهم من معنى الأحق أنه يثبت رجحانا على الكافرين إن لم يثبت الأهلية، كما لو اختار الملك اثنين لشغل وكل واحد منهما غير صالح له ولكن أحدهما أبعد عن الاستحقاق فقال في الأقرب إلى الاستحقاق إذا كان ولا بد فهذا أحق، كما يقال الحبس أهون من القتل مع أنه لاهين هناك فقال: * (وأهلها) * دفعا لذلك الثاني: وهو أقوى وهو أن يقال قوله تعالى: * (وأهلها) * فيه وجوه نبينها بعد ما نبين معنى الأحق، فنقول هو يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون الأحق بمعنى الحق لا للتفضيل كما في قوله تعالى: * (خير مقاما وأحسن نديا) * (مريم: 73) إذ لا خير في غيره والثاني: أن يكون للتفضيل وهو يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون
(١٠٣)