ويعبد غيره فهو مشرك فكيف اقتصر على قوله: * (اعبدوا الله) *؟ فنقول: هذا الأمر يفيد التوحيد، وذلك لأن من يرى غيره يخدم زيدا وعمرو هناك وهو أكبر أو هو سيد زيد، فإذا قال له أخدم عمرا يفهم منه أنه يأمره بصرف الخدمة إليه، وكذا إذا كان لواحد دينار واحد، وهو يريد أن يعطيه زيدا، فإذا قيل له أعطه عمرا يفهم منه لا تعطه زيدا، فنقول هم كانوا مشتغلين بعبادة غير الله والله مالك ذلك الغير فقال لهم شعيب: * (اعبدوا الله) * ففهموا منه ترك عبادة غيره أو نقول لكل واحد نفس واحدة ويريد وضعها في عبادة غير الله فقال لهم شعيب ضعوها في موضعها وهو عبادة الله ففهم منه التوحيد، ثم قال: * (وارجوا اليوم الآخر) * قال الزمخشري: معناه افعلوا ما ترجون به العاقبة إذ قد يقول القائل لغيره كن عاقلا، ويكون معناه افعل فعل من يكون عاقلا، وقوله: * (وارجوا اليوم الآخر) * فيه مسائل:
المسألة الأولى: هذا يدل على صحة مذهبنا، فإن عندنا من عبد الله طول عمره يثيبه الله تفضلا ولا يجب عليه ذلك لأن العابد قد وصل إليه من النعم ما لو زاد على ما أتى به لما خرج عن عهدة الشكر، ومن شكر المنعم على نعم سبقت لا يلزم المنعم أن يزيده، وإن زاده يكون إحسانا منه إليه وإنعاما عليه، فنقول قوله: * (وارجوا اليوم) * بعد قوله: * (اعبدوا الله) * يدل على التفضل لا على الوجوب فإن الفضل يرجى والواجب من العادل يقطع به.
المسألة الثانية: قال: * (وارجوا اليوم الآخر) * ولم يقل وخافوه مع أن ذلك اليوم مخوف عند الكل وغير مرجو عند كثير من الناس، لفسقه وفجوره ومحبته الدنيا ولا يرجوه إلا قليل من عباده، فنقول لما ذكر التوحيد بطريق الإثبات وقال: * (اعبدوا) * ولم يذكره بطريق النفي وما قال ولا تعبدوا غيره قال بلفظ الرجاء لأن عبادة الله يرجى منها الخير في الدارين، وفيه وجه آخر وهو أن الله حكى في حكاية إبراهيم أنه قال إنكم اتخذتم الأوثان مودة بينكم في الحياة الدنيا، وأما في الآخرة فتكفرون بها، وقال ههنا لا تكونوا كالذين سبق ذكرهم لم يرجوا اليوم الآخر، فاقتصروا على مودة الحياة الدنيا، وارجوا اليوم الآخر واعملوا له، ثم قال: * (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) * يمكن أن يقال نصب مفسدين على المصدر كما يقال قم قائما أي قياما ويكون قوله: * (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) * كقول القائل إجلس قعودا لأن العيث والفساد بمعنى، وجمع الأوامر والنواهي في قوله: * (اعبدوا الله) * وقوله: * (ولا تعثوا) * ثم إن قومه كذبوه بعدما بلغ وبين، فحكى الله عنهم ذلك بقوله: * (فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين) * وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: ما حكي عن شعيب أمر ونهي والأمر لا يصدق ولا يكذب، فإن من قال لغيره قم لا يصح أن يقول له كذبت، فنقول كان شعيب يقول الله واحد فاعبدوه، والحشر كائن فارجوه، والفساد محرم فلا تقربوه، وهذه الأشياء فيها إخبارات فكذبوه فيما أخبرهم به.