حتى يكاد يبكي من رقته دما ولو أورثه البكاء عمى، إذا علم هذا فالقرآن من القبيل الثالث مع أن فيه القصص والفقه والنحو فكان في تلاوته في كل زمان فائدة.
المسألة الثانية: لم خصص بالأمر هذين الشيئين تلاوة الكتاب وإقامة الصلاة؟ فنقول لوجهين أحدهما: أن الله لما أراد تسلية قلب محمد عليه السلام قال له الرسول واسطة بين طرفين من الله إلى الخلق، فإذا لم يتصل به الطرف الواحد ولم يقبلوه فالطرف الآخر متصل، ألا ترى أن الرسول إذا لم تقبل رسالته توجه نحو مرسله، فإذا تلوت كتابك ولم يقبلوك فوجه وجهك إلى وأقم الصلاة لوجهي الوجه الثاني: هو أن العبادات المختصة بالعبد ثلاثة: وهي الاعتقاد الحق ولسانية وهي الذكر الحسن وبدنية خارجية وهي العمل الصالح، لكن الاعتقاد لا يتكرر فإن من اعتقد شيئا لا يمكنه أن يعتقده مرة أخرى بل ذلك يدوم مستمرا والنبي عليه السلام كان ذلك حاصلا له عن عيان أكمل مما يحصل عن بيان، فلم يؤمر به لعدم إمكان تكراره، لكن الذكر ممكن التكرار، والعبادة البدنية كذلك فأمره بهما فقال: أتل الكتاب وأقم الصلاة.
المسألة الثالثة: كيف تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر؟ نقول قال بعض المفسرين المراد من الصلاة القرآن وهو ينهى أي فيه النهي عنهما وهو بعيد لأن إرادة القرآن من الصلاة في هذا الموضع الذي قال قبله * (أتل ما أوحي إليك) * بعيد من الفهم، وقال بعضهم أراد به نفس الصلاة وهي تنهى عنهما ما دام العبد في الصلاة، لأنه لا يمكنه الاشتغال بشيء منهما، فنقول هذا كذلك لكن ليس المراد هذا وإلا لا يكون مدحا كاملا للصلاة، لأن غيرها من الأشغال كثيرا ما يكون كذلك كالنوم في وقته وغيره فنقول: المراد أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر مطلقا وعلى هذا قال بعض المفسرين الصلاة هي التي تكون مع الحضور وهي تنهى، حتى نقل عنه صلى الله عليه وسلم " من لم تنهه صلاته عن المعاصي لم يزدد بها إلا بعدا " ونحن نقول الصلاة الصحيحة شرعا تنهى عن الأمرين مطلقا وهي التي أتى بها المكلف لله حتى لو قصد بها الرياء لا تصح صلاته شرعا وتجب عليه الإعادة، وهذا ظاهر فإن من نوى بوضوئه الصلاة والتبرد قيل لا يصح فكيف من نوى بصلاته الله وغيره إذا ثبت هذا فنقول الصلاة تنهى من وجوه الأول: هو أن من كان يخدم ملكا عظيم الشأن كثير الإحسان ويكون عنده بمنزلة، ويرى عبدا من عباده قد طرده طردا لا يتصور قبوله، وفاته الخبر بحيث لا يرجى حصوله، يستحيل من ذلك المقرب عرفا أن يترك خدمة الملك ويدخل في طاعة ذلك المطرود فكذلك العبد إذا صلى لله صار عبدا له، وحصل له منزلة المصلي يناجي ربه، فيستحيل منه أن يترك عبادة الله ويدخل تحت طاعة الشيطان المطرود، لكن مرتكب الفحشاء والمنكر تحت طاعة الشيطان فالصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر الثاني: هو أن من يباشر القاذورات كالزبال والكناس يكون له لباس نظيف إذا لبسه لا يباشر معه القاذورات وكلما كان ثوبه أرفع يكون امتناعه وهو لابسه عن القاذورات أكثر فإذا لبس واحد منهم ثوب ديباج