الملائكة * (إنا مهلكوا) * وهو لم يكن متصلا بمجيئهم لأنهم بشروا أولا ولبثوا، ثم قالوا: إنا مهلكوا وأيضا فالتأني واللبث بعد المجئ ثم الإخبار بالإهلاك حسن فإن من جاء ومعه خبر هائل يحسن منه أن لا يفاجئ به، والواقع ههنا هو خوف لوط عليهم، والمؤمن حين ما يشعر بمضرة تصل بريئا من الجناية ينبغي أن يحزن ويخاف عليه من غير تأخير، إذا علم هذا فقوله ههنا: * (ولما أن جاءت رسلنا) * يفيد الاتصال يعني خاف حين المجئ، فإن قلت هذا باطل بما أن هذه الحكاية جاءت في سورة هود، وقال: * (ولما جاءت رسلنا لوطا) * من غير أن، فنقول هناك جاءت حكاية إبراهيم بصيغة أخرى حيث قال هناك: * (ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى) * فقوله هنالك: * (ولقد جاءت) * لا يدل على أن قولهم: * (إنا أرسلنا) * كان في وقت المجئ. وقوله: * (ولما جاءت رسلنا لوطا سئ بهم) * دل على أن حزنه كان وقت المجئ. إذا علم هذا فنقول: هناك قد حصل ما ذكرنا من المقصود بقوله في حكاية إبراهيم: * (ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى) * ثم جرى أمور من الكلام وتقديم الطعام، ثم قالوا: * (لا تخف) * ولا تحزن * (إنا أرسلنا إلى قوم لوط) * فحصل تأخير الإنذار، وبقوله في حكاية لوط * (ولما جاءت رسلنا) * حصل بيان تعجيل الحزن، وأما هنا لما قال في قصة إبراهيم * (ولما جاءت) * قال في حكاية لوط * (ولما أن جاءت) * لما ذكرنا من الفائدة.
المسألة الثانية:: قال هنا * (إنا منجوك وأهلك) * وقال لإبراهيم * (لننجينه) * بصيغة الفعل فهل فيه فائدة؟ قلنا ما من حرف ولا حركة في القرآن إلا وفيه فائدة، ثم إن العقول البشرية تدرك بعضها ولا تصل إلى أكثرها، وما أوتي البشر من العلم إلا قليلا، والذي يظهر لعقل الضعيف أن هناك لما قال لهم إبراهيم: * (إن فيها لوطا) * وعدوه بالتنجية ووعد الكريم حتم، وههنا لما قالوا للوط وكان ذلك بعد سبق الوعد مرة أخرى قالوا: * (إنا منجوك) * أي ذلك واقع منا كقوله تعالى: * (إنك ميت) * (الزمر: 30) لضرورة وقوعه.
المسألة الثالثة: قولهم: * (لا تخف ولا تحزن) * لا يناسبه * (إنا منجوك) * لأن خوفه ما كان على نفسه، نقول بينهما مناسبة في غاية الحسن، وهي أن لوطا لما خاف عليهم وحزن لأجلهم قالوا له لا تخف علينا ولا تحزن لأجلنا فإنا ملائكة، ثم قالوا له: يا لوط خفت علينا وحزنت لأجلنا، ففي مقابلة خوفك وقت الخوف نزيل خوفك وننجيك، وفي مقابلة حزنك نزيل حزنك ولا نتركك تفجع في أهلك فقالوا: * (إنا منجوك وأهلك) *.
المسألة الرابعة: القوم عذبوا بسبب ما صدر منهم من الفاحشة وامرأته لم يصدر منها تلك فكيف كانت من الغابرين معهم؟ فنقول الدال على الشر له نصيب كفاعل الشر، كما أن الدال على الخير كفاعله وهي كانت تدل القوم على ضيوف لوط حتى كانوا يقصدونهم، فبالدلالة صارت واحدة منهم، ثم إنهم بعد بشارة لوط بالتنجية ذكروا أنهم منزلون على أهل هذه القرية العذاب فقالوا: * (إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء) * واختلفوا في ذلك، فقال بعضهم حجارة