لقوله: * (كل شيء هالك إلا وجهه) * (القصص: 88) فينبغي أن يكون العمل لوجه الله حتى يبقى فيكون صالحا، وما لا يكون لوجهه لا يبقى لا بنفسه ولا بالعامل ولا بالمعمول له فلا يكون صالحا، فالعمل الصالح هو الذي أتى به المكلف مخلصا لله.
المسألة الخامسة: هذا يقتضي أن تكون النية شرطا في الصالحات من الأعمال وهي قصد الإيقاع لله، ويندرج فيها النية في الصوم خلافا لزفر، وفي الوضوء خلافا لأبي حنيفة رحمه الله.
المسألة السادسة: العمل الصالح مرفوع لقوله تعالى: * (العمل الصالح يرفعه) * (فاطر: 10) لكنه لا يرتفع إلا بالكلم الطيب فإنه يصعد بنفسه كما قال تعالى: * (إليه يصعد الكلم الطيب) * (فاطر: 10) وهو يرفع العمل فالعمل من غير المؤمن لا يقبل، ولهذا قدم الإيمان على العمل، وههنا لطيفة، وهي أن أعمال المكلف ثلاثة عمل قلبه وهو فكره واعتقاده وتصديقه، وعمل لسانه وهو ذكره وشهادته، وعمل جوارحه وهو طاعته وعبادته. فالعبادة البدنية لا ترتفع بنفسها وإنما ترتفع بغيرها، والقول الصادق يرتفع بنفسه كما بين في الآية، وعمل القلب وهو الفكر ينزل إليه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله ينزل إلى السماء الدنيا ويقول هل من تائب " والتائب النادم بقلبه، وكذلك قوله عليه السلام: " يقول الله عز وجل أنا عند المنكسرة قلوبهم " يعني بالفكرة في عجزه وقدرتي وحقارته وعظمتي ومن حيث العقل من تفكر في آلاء الله وجد الله وحضر ذهنه، فعلم أن لعمل القلب يأتي الله وعمل اللسان يذهب إلى الله وعمل الأعضاء يوصل إلى الله، وهذا تنبيه على فضل عمل القلب.
المسألة السابعة: ذكر الله من أعمال العبد نوعين: الإيمان والعمل الصالح، وذكر في مقابلتهما من أفعال الله أمرين تكفير السيئات والجزاء بالأحسن حيث قال: * (لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن) * فتكفير السيئات في مقابلة الإيمان، والجزاء بالأحسن في مقابلة العمل الصالح، وهذا يقتضى أمورا الأول: المؤمن لا يخلد في النار لأن بإيمانه تكفر سيئاته فلا يخلد في العذاب الثاني: الجزاء الأحسن المذكور ههنا غير الجنة، وذلك لأن المؤمن بإيمانه يدخل الجنة إذ تكفر سيئاته ومن كفرت سيئاته أدخل الجنة، فالجزاء الأحسن يكون غير الجنة وهو ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ولا يبعد أن يكون هو الرؤية.
الأمر الثالث: هو أن الإيمان يستر قبح الذنوب في الدنيا فيستر الله عيوبه في الأخرى، والعمل الصالح يحسن حال الصالح في الدنيا فيجزيه الله الجزاء الأحسن في العقبى، فالإيمان إذن لا يبطله العصيان بل هو يغلب المعاصي ويسترها ويحمل صاحبها على الندم، والله أعلم.
المسألة الثامنة: قوله: * (لنكفرن عنهم سيئاتهم) * يستدعي وجود السيئات حتى تكفر * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات) * بأسرها من أين يكون لهم سيئة؟ فنقول: الجواب عنه من وجهين أحدهما: أن وعد الجميع بأشياء لا يستدعي وعد كل واحد بكل واحد من تلك الأشياء، مثاله: إذا قال الملك لأهل بلد إذا أطعتموني أكرم آباءكم واحترم أبناءكم وأنعم عليكم وأحسن