عاش فلان ألف سنة يمكن أن يتوهم أن يقول: ألف سنة تقريبا لا تحقيقا، فإذا قال إلا شهرا أو إلا سنة يزول ذلك التوهم ويفهم منه التحقيق الثانية: هي أن ذكر لبث نوح عليه السلام في قومه كان لبيان أنه صبر كثيرا فالنبي عليه السلام أولى بالصبر مع قصر مدة دعائه وإذا كان كذلك فذكر العدد الذي في أعلى مراتب الأعداد التي لها اسم مفرد موضوع، فإن مراتب الأعداء هي الآحاد إلى العشرة والعشرات إلى المائة والمئات إلى الألف، ثم بعد ذلك يكون التكثير بالتكرير فيقال عشرة آلاف، ومائة ألف، وألف ألف.
المسألة الثالثة: قال بعض الأطباء العمر الإنساني لا يزيد على مائة وعشرين سنة والآية تدل على خلاف قولهم، والعقل يوافقها فإن البقاء على التركيب الذي في الإنسان ممكن لذاته، وإلا لما بقي، ودوام تأثير المؤثر فيه ممكن لأن المؤثر فيه إن كان واجب الوجود فظاهر الدوام وإن كان غيره فله مؤثر، وينتهي إلى الواجب وهو دائم، فتأثيره يجوز أن يكون دائما فأذن البقاء ممكن في ذاته، فإن لم يكن فلعارض لكن العارض ممكن العدم وإلا لما بقي هذا المقدار لوجوب وجود العارض المانع فظهر أن كلامهم على خلاف العقل والنقل (ثم نقول) لا نزاع بيننا وبينهم لأنهم يقولون العمر الطبيعي لا يكون أكثر من مائة وعشرين سنة ونحن نقول هذا العمر ليس طبيعيا بل هو عطاء إلهي، وأما العمر الطبيعي فلا يدوم عندنا ولا لحظة، فضلا عن مائة أو أكثر.
قوله تعالى: * (فأخذهم الطوفان وهم ظالمون) *.
فيه إشارة إلى لطيفة وهي أن الله لا يعذب على مجرد وجود الظلم وإلا لعذب من ظلم وتاب، فإن الظلم وجد منه، وإنما يعذب على الإصرار على الظلم، فقوله: * (وهم ظالمون) * يعني أهلكهم وهم على ظلمهم، ولو كانوا تركوه لما أهلكهم.
قوله تعالى * (فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناهآ ءاية للعالمين) *.
في الراجع إليه الهاء في قوله: * (جعلناها) * وجهان أحدهما: أنها راجعة إلى السفينة المذكورة وعلى هذا ففي كونها آية وجوه أحدها: أنه اتخذت قبل ظهور الماء ولولا إعلام الله نوحا وإنباؤه إياه به لما اشتغل بها فلا تحصل لهم النجاة وثانيها: أن نوحا أمر بأخذ قوم معه ورفع قدر من القوت والبحر العظيم لا يتوقع أحد نضوبه، ثم إن الماء غيض قبل نفاد الزاد ولولا ذلك لما حصل النجاة فهو بفضل الله لا بمجرد السفينة وثالثها: أن الله تعالى كتب سلامة السفينة عن الرياح المرجفة والحيوانات المؤذية، ولولا ذلك لما حصلت النجاة والثاني: أنها راجعة إلى