سلمة: يعيد في الوقت، فإذا فات الوقت لم يعد وهو قول مالك، رواه ابن وهب عنه.
وروى أبو مصعب عنه: (إنما يعيد في الوقت إذا صلاها مستدبر القبلة أو شرق أو غرب، وإن تيامن قليلا أو تياسر قليلا فلا إعادة عليه). وقال الشافعي: (من اجتهد فصلى إلى المشرق ثم رأى القبلة في المغرب استأنف، فإن كانت شرقا ثم رأى أنه منحرف فتلك جهة واحدة وعليه أن ينحرف ويعتد بما مضى).
قال أبو بكر: ظاهر الآية يدل على جوازها إلى أي جهة صلاها، وذلك أن قوله:
(فأينما تولوا فثم وجه الله) معناه: فثم رضوان الله، وهو الوجه الذي أمرتم بالتوجه إليه كقوله تعالى: (إنما نطعمكم لوجه الله) [الانسان: 9] يعني لرضوانه ولما أراده منا، وقوله: (كل شئ هالك إلا وجهه) [القصص: 88] يعني ما كان لرضاه وإرادته، وقد روي في حديث عامر بن ربيعة وجابر اللذين قدمنا أن الآية في هذا أنزلت.
فإن قيل: روي أنها نزلت في التطوع على الراحلة، وروي أنها نزلت في بيان القبلة! قيل له: لا يمتنع أن يتفق هذه الأحوال كلها في وقت واحد ويسأل النبي عليه السلام عنها فينزل الله تعالى الآية ويريد بها بيان حكم جميعها، ألا ترى أنه لو نص على كل واحدة منها بأن يقول: إذا كنتم عالمين بجهة القبلة ممكنين من التوجه إليها فذلك وجه الله فصلوا إليها، وإذا كنتم خائفين أو في سفر فالوجه الذي يمكنكم التوجه إليه فهو وجه الله، وإذا اشتبهت عليكم الجهات فصليتم قبل إلى أي جهة كانت فهي وجه الله؟ وإذا لم تتناف إرادة جميع ذلك وجب حمل الآية عليه، فيكون مراد الله تعالى بها جميع هذه المعاني على الوجه الذي ذكرنا، لا سيما وقد نص حديث جابر وعامر بن ربيعة أن الآية نزلت في المجتهد إذا أخطأ، وأخبر فيه أن المستدبر للقبلة والمتياسر والمتيامن عنها سواء، لأن فيه بعضهم صلى إلى ناحية الشمال والآخر إلى ناحية الجنوب وهاتان جهتان متضادتان، ويدل على جوازها أيضا حديث رواه جماعة عن أبي سعيد مولى بني هاشم قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، عن عثمان بن محمد، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين المشرق والمغرب قبله) وهذا يقتضي إثبات جميع الجهات قبلة، إذ كان قوله: (ما بين المشرق والمغرب) كقوله: جمع الآفاق، ألا ترى أن قوله: (رب المشرق والمغرب) أنه أراد به جميع الدنيا؟ وكذلك هو في معقول خطاب الناس متى أريد الإخبار عن جميع الدنيا ذكر المشرق والمغرب فيشمل اللفظ جميعها.
وأيضا ما ذكرنا من قول السلف يوجب أن يكون إجماعا لظهوره واستفاضته من غير خلاف من أحد من نظرائهم عليهم. ويدل عليه أيضا أن من غاب عن مكة فإنما صلاته إلى الكعبة لا تكون إلا عن اجتهاد، لأن أحدا لا يوقن بالجهة التي يصلي إليها في محاذاة