الكعبة أو علم بها وهو غائب عنها ففرضه الجهة التي يمكنه التوجه إليها وليست الكعبة جهة فرضه، ومن اشتبهت عليه الجهة ففرضه ما أداه إليه اجتهاده، فقولك (إنه صار من الاجتهاد إلى النص) خطأ، لأن جهة الكعبة لم تكن فرضه في حال الاجتهاد، وإنما النص في حال إمكان التوجه إليها والعلم بها. وأيضا فقد كان له الاجتهاد مع العلم بالكعبة والجهل بجهتها، فلو كان بمنزلة النص لما ساغ الاجتهاد، مع العلم بأن الله تعالى نصا على الحكم، كما لا يسوغ الاجتهاد مع العلم بأن الله تعالى نصا على الحكم في حادثة.
وقوله تعالى: (وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض)، قال أبو بكر: فيه دلالة على أن ملك الانسان لا يبقى على ولده، لأنه نفى الولد بإثبات الملك بقوله تعالى: (بل له ما في السماوات والأرض) يعني ملكه وليس بولده، وهو نظير قوله: (وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا) [مريم: 92 و 93] فاقتضى ذلك عتق ولده عليه إذا ملكه. وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك في الوالد إذ ملكه ولده، فقال عليه السلام: (لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه) فدلت الآية على عتق الولد إذا ملكه أبوه، واقتضى خبر النبي صلى الله عليه وسلم عتق الوالد إذا ملكه ولده. وقال بعض الجهال: إذا ملك أباه لم يعتق عليه حتى يعتقه لقوله: (فيشتريه فيعتقه) وهذا يقتضي عتقا مستأنفا بعد الملك. فجهل حكم اللفظ في اللغة والعرف جميعا، لأن المعقول منه فيشتريه فيعتقه بالشرى، إذ قد أفاد أن شراه موجب لعتقه، وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الناس عاديان: فبائع نفسه فموبقها، ومشتر نفسه فمعتقها) يريد أنه معتقها بالشرى لا باستئناف عتق بعده.
قوله تعالى: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن)، اختلف المفسرون، فقال ابن عباس: (ابتلاه بالمناسك). وقال الحسن: (ابتلاه بقتل ولده والكواكب). وروى طاووس عن ابن عباس قال: (ابتلاه بالطهارة، خمس في الرأس وخمس في الجسد.
فالخمسة في الرأس: قص الشارب، والمضمضة، والإستنشاق، والسواك، وفرق الرأس، وفي الجسد: تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر الغائط والبول بالماء). وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عشر من الفطرة) وذكر هذه الأشياء إلا أنه قال مكان الفرق: (إعفاء اللحية) ولم يذكر فيه تأويل الآية، ورواه عمار وعائشة وأبو هريرة على اختلاف منهم في الزيادة والنقصان، كرهت الإطالة بذكر أسانيدها وسياقة ألفاظها، إذ هي المشهورة، وقد نقلها الناس قولا وعملا وعرفوها من