فمن ضروب السحر كثير من التخييلات التي مظهرها على خلاف حقائقها.
فمنها ما يعرفه الناس بجريان العادة بها وظهورها.
ومنها ما يخفى ويلطف ولا يعرف حقيقته ومعنى باطنه إلا من تعاطى معرفة ذلك، لأن كل علم لا بد أن يشتمل على جلي وخفي وظاهر وغامض، فالجلي منه يعرفه كل من رآه وسمعه من العقلاء، والغامض الخفي لا يعرفه إلا أهله ومن تعاطى معرفته وتكلف فعله البحث عنه، وذلك نحو ما يتخيل راكب السفينة إذا سارت في النهر فيرى أن الشط بما عليه من النخل والبنيان سائر معه، وكما يرى القمر في مهب الشمال يسير للغيم في مهب الجنوب، وكدوران لأن الدوامة فيها الشامة فيراها كالطوق المستدير في أرجائها، وكذلك يرى هذا في الرحى إذا كانت سريعة الدوران، وكالعود في طرفه الجمرة إذا أداره مديره رأى تلك النار التي في طرفه كالطوق المستدير، وكالعنبة التي يراها في قدح فيه ماء كالخوخة والإجاصة عظما، وكالشخص الصغير يراه في الضباب عظيما جسيما، وكبخار الأرض الذي يريك قرص الشمس عند طلوعها عظيما فإذا فارقته وارتفعت صغرت، وكما يرى المردي في الماء منكسرا أو معوجا، وكما يرى الخاتم إذا قربته من عينك في سعة حلقة السوار، ونظائر ذلك كثيرة من الأشياء التي تتخيل على غير حقائقها فيعرفها عامة الناس.
ومنها ما يلطف فلا يعرفه إلا من تعاطاه وتأمله كخيط السحارة الذي يخرج مرة أحمر ومرة أصفر ومرة أسود، ومن لطيف ذلك ودقيقه ما يفعله المشعوذون من جهة الحركات وإظهار التخيلات التي تخرج على غير حقائقها حتى يريك عصفورا معه أنه قد ذبحه ثم يريكه تعالى وقد طار بعد ذبحه وإبانة رأسه، وذلك لخفة حركته، والمذبوح غير الذي طار لأنه يكون معه اثنان قد خبأ أحدهما وأظهر الآخر، ويخبئ لخفة الحركة المذبوح ويظهر الذي نظيره. ويظهر أنه قد ذبح إنسانا وأنه قد بلع سيفا معه وأدخله في جوفه، وليس لشئ منه حقيقة.
ومن نحو ذلك ما يفعله أصحاب الحركات للصور المعمولة من صفر أو غيره فيرى فارسين يقتتلان فيقتل أحدهما الآخر، وينصرف بحيل قد أعدت لذلك. وكفارس فإن من صفر على فرس في يده بوق كلما مضت ساعة من النهار ضرب بالبوق من غير أن يمسه أحد ولا يتقدم إليه.
وقد ذكر الكلبي أن رجلا من الجند خرج ببعض نواحي الشام متصيدا ومعه كلب له