والطلاق جميعا. ويدل على أن المراد الفئ في المدة اتفاق الجميع على صحة الفئ فيها، فدل على أنه مراد فيها، فصار تقديره: (فإن فاؤا فيها) وكذلك قرئ في حرف عبد الله بن مسعود، فجعل الفئ مقصورا عليها دون غيرها، وتمضي المدة بفوت الفئ، وإذا فات الفئ حصل الطلاق.
فإن قيل: لما قال تعالى: (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا) فعطف بالفاء على التربص في المدة، دل على أن الفئ ء مشروط بعد التربص وبعد مضي المدة، وأنه متى ما فاء فإنما عجل حقا لم يكن عليه تعجيله كمن عجل دينا مؤجلا. قيل له: لولا أن الفئ مراد الله تعالى لما صح وجوده فيها وكان يحتاج بعد هذا الفئ إلى فئ بعد مضيها، فلما صح الفئ في هذه المدة دل على أنه مراد الله بالآية، ولذلك بطل معه عزيمة الطلاق. ثم قولك (إن المراد بالفئ إنما هو بعد المدة) مع قولك (إن الفئ في المدة صحيح كهو بعدها تبطل معه عزيمة الطلاق) مناقضة منك في اللفظ، كقولك إنه مراد في المدة غير مراد فيها، وقولك (إنه كالدين المؤجل إذا عجله) لا يزيد عنك ما وصفنا من المناقضة، لأن الدين المؤجل لا يخرجه التأجيل من حكم اللزوم ولولا ذلك لما صح البيع بثمن مؤجل، لأن ما تعلق ملكه من الأثمان على وقت مستقبل لا يصح عقد البيع عليه، ألا ترى أنه لو قال بعتكه بألف درهم لا يلزمك إلا بعد أربعة أشهر كان البيع باطلا؟ والتأجيل الذي ذكرت لا يخرجه من أن يكون الثمن واجبا ملكا للبائع، ومتى عجله وأسقط الأجل كان ذلك من موجب العقد، إلا أنه مخالف للفئ في الإيلاء من قبل إن فوات الفئ يوجب الطلاق، وإذا كان الفئ مرادا في المدة فواجب أن يكون فواته فيها موجبا للطلاق على ما بينا. وأيضا فإن قوله تعالى: (فإن فاؤا فيه ضمير المولي المبدوء بذكره في الآية، وهو الذي له تربص أربعة أشهر، والذي يقتضيه الظاهر إيقاع الفئ عقيب اليمين. ودليل آخر، وهو قوله: (تربص أربعة أشهر) كقوله تعالى:
(والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) [البقرة: 228] فلما كانت البينونة واقعة بمضي المدة في تربص الإقراء، وجب أن يكون كذلك حكم تربص الإيلاء من وجوه:
أحدها أنا لو وقفنا المولي لحصل التربص أكثر من أربعة أشهر، وذلك خلاف الكتاب، ولو غاب المولي عن امرأته سنة أو سنتين ولم ترفعه المرأة ولم تطالب بحقها لكان التربص غير مقدر بوقت، وذلك خلاف الكتاب. والوجه الثاني: أنه لما كانت البينونة واقعة بمضي المدة في تربص الإقراء وجب مثله في الإيلاء، والمعنى الجامع بينهما ذكر التربص في كل واحدة من المدتين. والوجه الثالث: أن كل واحدة من المدتين واجبة عن قوله وتعلق بها حكم البينونة، فلما تعلقت في إحداهما بمضيها كانت الأخرى مثلها للمعنى الذي ذكرناه.