الاقتصار به على ما دون العدد المذكور، فوجب أن يكون المراد الحيض إذا أمكن استيفاء العدد عند إيقاع طلاق السنة. وكما لم يجز الاقتصار في هذه الآيسة والصغيرة على شهرين وبعض الثالث بقوله تعالى: (فعدتهن ثلاثة أشهر) [الطلاق: 4] كذلك لما ذكر ثلاثة قروء لم يجز أن تكون اثنتين وبعض الثالث.
فإن قيل: إذا طلقها في الطهر فبقيته قرء تام. قيل له: فينبغي أن تنقضي عدتها بوجود جزء من الطهر الثالث إذا كان الجزء منه قرءا تاما. فإن قيل: القرء هو الخروج من حيض إلى الطهر أو من طهر إلى حيض، إلا أنهم قد اتفقوا أنه لو طلقها وهي حائض لم يكن خروجها من حيض إلى طهر معتدا به قرءا، فإذا ثبت أن خروجها من حيض إلى طهر غر مراد بقي الوجه الآخر وهو خروجها من طهر إلى حيض، ويمكن استيفاء ثلاثة أقراء كاملة إذا طلقها في الحيض. قيل له: قول القائل (القرء هو خروج من طهر إلى حيض أو من حيض إلى طهر) قول يفسد من وجوه. أحدها: أن السلف اختلفوا في معنى قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) فقال منهم قائلون: هي الحيض. وقال آخرون:
هي الأطهار. ولم يقل أحد منهم إنه خروج من حيض إلى طهر أو من طهر إلى حيض، فقول القائل بما وصفت خارج عن إجماع السلف، وقد انعقد الاجماع منهم بخلافه، فهو ساقط. ومن جهة أخرى أن أهل اللغة اختلفوا في معناه في أصل اللغة على ما قدمنا من أقوالهم فيه، ولم يقل منهم أحد فيما ذكر من حقيقته ما يوجب احتمال خروجها من حيض إلى طهر أو من طهر إلى حيض، فيفسد من هذا الوجه أيضا. ويفسد أيضا من جهة أن كل من ادعى معنى لاسم من طريق اللغة فعليه أن يأتي بشاهد منها عليه أو رواية عن أهلها فيه، فلما عري هذا القول من دلالة اللغة ورواية فيها سقط. ومن جهة أخرى:
وهي أنه لو كان القرء اسما للانتقال على الوجه الذي ذكرت لوجب أن يكون قد سمي به في الأصل غيره على وجه الحقيقة ثم ينتقل من الانتقال من طهر إلى حيض، إذ معلوم أنه ليس باسم موضوع له في أصل اللغة وإنما هو منقول من غيره، فإذا لم يسم شئ من ضروب الانتقال بهذا الاسم علمنا أنه ليس باسم له. وأيضا لو كان كذلك لوجب أن يكون انتقالها من الطهر إلى الحيض قرءا ثم انتقالها من الحيض إلى الطهر قرءا ثانيا ثم انتقالها من الطهر الثاني إلى الحيض قرءا ثالثا، فتنقضي عدتها بدخولها في الحيضة الثانية، إذ ليس بحيض على أصلك اسم القرء بالانتقال من الحيض إلى الطهر دون الانتقال من الطهر إلى الحيض. فإن قيل الظاهر يقتضيه، إلا أن دلالة الاجماع منعت منه. قيل له:
ما أنكرت ممن قال لك إن المراد الانتقال من الحيض إلى الطهر، إلا أنه إذا طلقها في الحيض لم يعتد بانتقالها من الحيض إلى الطهر فيه بدلالة الاجماع، وحكم اللفظ باق بعد