تغتسل من الحيضة الثالثة) وهو قول سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب. وقال ابن عمر وزيد بن ثابت وعائشة: (إذا دخلت في الحيضة الثالثة فلا سبيل له عليها) قالت عائشة:
(الأقراء الأطهار). وروي عن ابن عباس رواية أخرى: (أنها إذا دخلت في الحيضة الثالثة فلا سبيل له عليها ولا تحل للأزواج حتى تغتسل). وقال أصحابنا جميعا: (الأقراء الحيض) وهو قول الثوري والأوزاعي والحسن بن صالح. إلا أن أصحابنا قد قالوا:
(لا تنقضي عدتها إذا كانت أيامها دون العشرة حتى تغتسل من الحيضة الثالثة أو يذهب وقت صلاة)، وهو قول الحسن بن صالح، إلا أنه قال: (اليهودية والنصرانية في ذلك مثل المسلمة). وهذا لم يقله أحد ممن جعل الإقراء الحيض غير الحسن بن صالح. وقال أصحابنا: (الذمية تنقضي عدتها بانقطاع الدم من الحيضة الثالثة، لا غسل عليها، فهي في معنى من اغتسلت فلا تنتظر بعد انقطاع الدم شيئا آخر. وقال ابن شبرمة: (إذا انقطع من الحيضة الثالثة بطلت الرجعة ولم يعتبر الغسل). وقال مالك والشافعي: (الأقراء الأطهار، فإذا طعنت في الحيضة الثالثة فقد بانت وانقطعت الرجعة).
قال أبو بكر: قد حصل من اتفاق السلف وقوع اسم الإقراء على المعنيين من الحيض ومن الأطهار من وجهين، أحدهما: أن اللفظ لو لم يكن محتملا لهما لما تأوله السلف عليهما، لأنهم أهل اللغة والمعرفة بمعاني الأسماء وما يتصرف عليه المعاني من العبارات، فلما تأولها فريق على الحيض وآخرون على الأطهار علمنا وقوع الاسم عليهما. ومن جهة أخرى أن هذا الاختلاف قد كان شائعا بينهم مستفيضا، ولم ينكر واحد منهم على مخالفيه في مقالته، بل سوغ له القول فيه، فدل ذلك على احتمال اللفظ المعنيين وتسويغ الاجتهاد فيه. ثم لا يخلو من أن يكون الاسم حقيقة فيهما، أو مجازا فيهما، أو حقيقة في أحدهما مجازا في الآخر، فوجدنا أهل اللغة مختلفين في معنى القرء في أصل اللغة، فقال قائلون منهم: هو اسم للوقت، حدثنا بذلك أو عمرو وغلام ثعلب عن ثعلب أنه كان إذا سئل عن معنى القرء لم يزدهم على الوقت، وقد استشهد لذلك بقول الشاعر:
يا رب مولى حاسد مباغض * على ذي ضغن وضب فارض له قروء كقروء الحائض يعني: وقتا تهيج فيه عداوته. وعلى هذا تألوا قول الأعشى:
وفي كل عام أنت جاشم غزوة * تشد لأقصاها عزيم عزائكا مورثة ما لا وفي الحي رفعة * لما ضاع فيها من قروء نسائكا