يؤلون من نسائهم) فأخبر أنه سامع لما تكلم به عليم بما أضمره وعزم عليه. ومما يدل على وقوع الفرقة بمضي المدة أن القائلين بالوقف يثبتون هناك معاني أخر غير مذكورة في الآية، إذ كانت الآية إنما اقتضت أحد شيئين من فئ أو طلاق، وليس فيها ذكر مطالبة المرأة ولا وقف القاضي الزوج على الفئ أو الطلاق، فلم يجز لنا أن نلحق بالآية ما ليس فيها ولا أن نزيد فيها ما ليس منها، وقول مخالفينا يؤدي إلى ذلك ولا يوجب الاقتصار على موجب حكم الآية، وقولنا يوجب الاقتصار على حكم الآية من غير زيادة فيها، فكان أولى. ومعلوم أيضا أن الله تعالى إنما حكم في الإيلاء بهذا الحكم لإيصال المرأة إلى حقها من الجماع أو الفرقة، وهو على معنى قوله تعالى: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) [البقرة: 229] وقول من قال بالوقف يقول: إن لم يفئ أمره بالطلاق، فإذا طلق لم يخل من أن يجعله طلاقا بائنا أو رجعيا، فإن جعله بائنا فإن صريح الطلاق لا يكون بائنا عند أحد فما دون الثلاث، جعله رجعيا فلا حظ للمرأة في ذلك لأنه متى شاء راجعها فتكون امرأته كما كانت، فلا معنى لإلزامه طلاقا لا تملك به المرأة بضعها وتصل به إلى حقها.
وأما قول مالك (إنه لا يصح رجعته حتى يطأها في العدة) فقول شديد الاختلال من وجوه، أحدها: أنه قال إذا طلقها طلاقا رجعيا، والطلاق الرجعي لا تكون الرجعة فيه موقوفة على معنى غيرها. والثاني: أنه إذا منعه الرجعة إلا بعد الوطء فقد نفى أن يكون رجعيا، وهو لو راجعها لم تكن رجعة. والثالث: أنه محظور عليه الوطء بعد الطلاق عنده ولا تقع الرجعة فيه بنفس الوطء، فكيف يباح له وطؤها!
وأما قول من قال (إنه تقع تطليقة رجعية بمضي المدة) فإنه قول ظاهر الفساد من وجوه، أحدها: ما قدمنا ذكره في الفصل الذي قبل هذا. والثاني: أن سائر الفرق الحادثة في الأصول بغير تصريح فإنها توجب البينونة، من ذلك فرقة العنين واختيار الأمة وردة الزوج واختيار الصغيرين، فلما لم يكن معه تصريح بإيقاع الطلاق وجب أن يكون بائنا.
وقد اختلف في إيلاء الذمي، فقال أصحابنا جميعا: إذا حلف بعتق أو طلاق أن لا يقربها فهو مول، وإن حلف بصدقة أو حج لم يكن موليا، وإن حلف بالله كان موليا في قول أبي حنيفة ولم يكن موليا في قول صاحبيه. وقال مالك: (لا يكون موليا في شئ من ذلك). وقال الأوزاعي: (إيلاء الذمي صحيح) ولم يفصل بين شئ من ذلك. وقال الشافعي: (الذمي كالمسلم فيما يلزمه من الإيلاء).
قال أبو بكر: لما كان معلوما أن الإيلاء إنما يثبت حكمه لما يتعلق بالحنث من الحق الذي يلزمه، فواجب على هذا أن يصح إيلاء الذمي إذا كان بالعتق والطلاق، لأن