بالقول، وهو مع ذلك لو وطئها في هذه الحال بطل الإيلاء.
فإن قيل: إذا كان الفئ بالقول لا يسقط اليمين فواجب بقاؤها، إذ لا تأثير للفئ بالقول في اسقاطها. قيل له: هذا غير واجب، من قبل أنه جائز بقاء اليمين، وبطلان الإيلاء من جهة ما تعلق به من الطلاق، ألا ترى أنه إذا طلقها ثلاثا ثم عادت إليه بعد زوج كانت اليمين باقية لو وطئها حنث ولم يلحقها بها طلاق وإن ترك وطئها؟ وكذلك لو أن رجلا قال لامرأة أجنبية (والله لا أقربك) لم يكن إيلاء فإن تزوجها كانت اليمين باقية لو وطئها لزمته الكفارة ولا يكون موليا في حكم الطلاق، فليس بقاء اليمين إذا علة في حكم الطلاق، فجاز من أجل ذلك أن يفئ إليها بلسانه، فيسقط حكم الطلاق في هذه اليمين ويبقى حكم الحنث بالوطء. وإنما شرط أصحابنا في صحة الفئ بالقول وجود العذر في المدة كلها، ومتى كان الوطء مقدورا عليه في شئ من المدة لم يكن فيئه عندهم إلا الجماع، من قبل أن الفئ بالقول قائم مقام الوطء عند عدمه لئلا يقع الطلاق بمضي المدة، فمتى قدر على الوطء في المدة بطل الفئ بالقول، كالمتيمم إذا أقيم تيممه مقام الطهارة بالماء في إباحة الصلاة كان متى وجد الماء قبل الفراغ منها بطل تيممه وعاد إلى أصل فرضه سواء كان وجوده للماء في أول الصلاة أو في آخرها، كذلك القدرة على الوطء في المدة تبطل حكم الفئ بالقول. وقال محمد: إذا فاء بالقول لوجود العذر في المدة ثم انقضت المدة والعذر قائم فقد بطل حكم الإيلاء منها، فكان بمنزلة من حلف على أجنبية أن لا يقربها ثم تزوجها فيكون يمينه باقية، إن قربها حنث وإن ترك جماعها أربعة أشهر لم تطلق.
قوله تعالى: (وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم) قال أبو بكر: اختلف السلف في عزيمة الطلاق إذا لم يفئ على ثلاثة أوجه: فقال ابن عباس: (عزيمة الطلاق انقضاء الأربعة الأشهر) وهو قول ابن مسعود وزيد بن ثابت وعثمان بن عفان، وقالوا:
(إنها تبين بتطليقة). واختلف عن علي وابن عمر وأبي الدرداء، فروي عنهم مثل قول الأولين، وروي عنهم أنه يوقف بعد مضي المدة فإما أن يفئ إليها وإما أن يطلقها، وهو قول عائشة وأبي الدرداء. والقول الثالث قول سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله وأبي بكر بن عبد الرحمن والزهري وعطاء وطاوس، قالوا: (إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة رجعية). وذهب أصحابنا إلى قول ابن عباس ومن تابعه، فقالوا: إذا مضت أربعة أشهر قبل أن يفئ بانت بتطليقة، وهو قول الثوري والحسن بن صالح. وقال مالك والليث والشافعي بما روي عن أبي الدرداء وعائشة: (إنه يوقف بعد مضي المدة فإما أن يفئ وإما أن يطلق ويكون تطليقة رجعية إذا طلق). قال مالك: (ولا تصح رجعته حتى