وهو ضرب من الجرأة على الله تعالى وابتذال لاسمه في كل حق وباطل، لأن تبروا في الحلف بها وتتقوا المأثم فيها. وروي نحوه عن عائشة، من أكثر ذكر شئ فقد جعله عرضة، يقول القائل: قد جعلتني عرضة للوم. وقال الشاعر:
لا تجعليني عرضة اللوائم وقد ذم الله تعالى مكثري الحلف بقوله: (ولا تطع كل حلاف مهين) [القلم: 10] فالمعنى: لا تعترضوا اسم الله وتبذلوه أو في كل شئ لأن تبروا إذا حلفتم وتتقوا المآثم فيها إذا قلت أيمانكم، لأن كثرتها تبعد من البر والتقوى وتقرب من المآثم والجرأة على الله تعالى. فكان المعنى: أن الله ينهاكم عن كثرة الأيمان والجرأة على الله تعالى لما في توقي ذلك من البر والتقوى والإصلاح فتكونون بررة أتقياء، لقوله: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) [آل عمران: 110]. وإذا كانت الآية محتملة للمعنيين وليسا متضادين، فالواجب حملها عليهما جميعا، فتكون مفيدة لحظر ابتذاله اسما لله تعالى واعتراضه باليمين في كل شئ حقا كان أو باطلا، ويكون مع ذلك محظورا عليه أن يجعل يمينه عرضة مانعة من البر والتقوى والإصلاح وإن لم يكثر، بل الواجب عليه أن لا يكثر اليمين، ومتى حلف لم يحتجر بيمينه عن فعل ما حلف عليه إذا كان طاعة وبرا وتقوى وإصلاحا، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه).
قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) الآية. قال أبو بكر رحمه الله:
قد ذكر الله تعالى اللغو في مواضع، فكان المراد به معاني مختلفة على حسب الأحوال التي خرج عليها الكلام، فقال تعالى: (لا تسمع فيها لاغية) [الغاشية: 11] يعني: كلمة فاحشة قبيحة. و (لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما) [الواقعة: 25] على هذا المعنى.
وقال: (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) [القصص: 55] يعني: الكفر والكلام القبيح.
وقال (والغوا فيه) يعني: الكلام الذي لا يفيد شيئا ليشغلوا السامعين عنه. وقال: (وإذا مروا باللغو مروا كراما) [الفرقان: 72] يعني الباطل. ويقال: لغا في كلامه يلغو، إذا أتى بكلام لا فائدة فيه.
وقد روي في لغو اليمين معان عن السلف، فروي عن ابن عباس أنه قال: (هو الرجل يحلف على الشئ يراه كذلك فلا يكون). وكذلك روي عن مجاهد وإبراهيم، قال مجاهد: (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان): (أن تحلف على الشئ وأنت تعلم) وهذا في معنى قوله: (بما كسبت قلوبكم) وقالت عائشة: (هو قول الرجل لا والله وبلى والله) وروي عنها مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك عندنا في النهي عن اليمين على الماضي،