ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تطليق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان) فنص على الحيضتين في عدة الأمة، وذلك خلاف قول مخالفينا، لأنهم يزعمون أن عدتها طهران ولا يستوعبون لها حيضتين، وإذا ثبت أن عدة الأمة حيضتان كانت عدة الحرة ثلاث حيض. وهذان الحديثان وإن كان ورودهما من طريق الآحاد فقد اتفق أهل العلم على استعمالها في أن عدة الأمة على النصف من عدة الحرة، فأوجب ذلك صحته. ويدل عليه أيضا حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في سبايا أوطاس: (لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرئ بحيضة) ومعلوم أن أصل العدة موضوع للاستبراء، فلما جعل النبي صلى الله عليه وسلم استبراء الأمة بالحيضة دون الطهر وجب أن تكون العدة بالحيض دون الطهر، إذ كل واحد منهما موضوع في الأصل للاستبراء أو لمعرفة براءة الرحم من الحبل، وإن كان قد تجب العدة على الصغيرة والآيسة، لأن الأصل للاستبراء، ثم حمل عليه غيره من الآيسة والصغيرة لئلا يترخص في التي قاربتا البلوغ وفي الكبيرة التي قد يجوز أن تحيض وترى الدم بترك العدة، فأوجب على الجميع العدة احتياطا للاستبراء الذي ذكرنا. ويدل عليه أيضا قوله تعالى: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر) [الطلاق: 4] فأوجب الشهور عند عدم الحيض فأقامها مقامها، فدل ذلك على أن الأصل هو الحيض: كما أنه لما قال: (فلم تجدوا ماء فتيمموا) [النساء: 43] علمنا أن الأصل الذي نقل عنه إلى الصعيد هو الماء. ويدل عليه أن الله حصر الإقراء بعدد يقتضي استيفاءه للعدة، وهو قوله تعالى: (ثلاثة قروء) واعتبار الطهر فيه يمنع استيفاءها بكمالها فيمن طلقها للسنة، لأن طلاق السنة أن يوقعه في طهر لم يجامعها فيه، فلا بد إذا كان كذلك من أن يصادف طلاقه طهرا قد مضى بعضه ثم تعتد بعده بطهرين آخرين، فهذان طهران وبعض الثالث، فلما تعذر استيفاء الثلاث إذا أراد طلاق السنة علمنا أن المراد الحيض الذي يمكن استيفاء العدد المذكور في الآية بكماله، وليس هذا كقوله تعالى: (الحج أشهر معلومات) فالمراد شهران وبعض الثالث، لأنه لم يحصرها بعدد وإنما ذكرها بلفظ الجمع، والإقراء محصورة بعدد لا يحتمل الأقل منه ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول رأيت ثلاثة رجال ومرادك رجلان، وجائز أن تقول رأيت رجالا والمراد رجلان، وأيضا فإن قوله تعالى: (الحج أشهر معلومات) معناه عمل الحج في أشهر معلومات، ومراده في بعضها، لأن عمل الحج لا يستغرق الأشهر وإنما يقع في بعض الأوقات منها فلم يحتج فيه إلى استيفاء العدد. وأما الأقراء فواجب استيفاؤها للعدة، فإن كانت الأفراد الأطهار فواجب أن يستوفى العدد المذكور كما يستغرق الوقت كله، فيكون جميع أوقات الطهر عدة إلى انقضاء عددها، فلم يجز
(٤٤٤)