دون العشر ولم يمض وقت الصلاة، لقيام الدلالة على أن مضي وقت الصلاة يبيح وطئها على ما سنبينه فيما بعد، ولا يكون فيه استعمال واحد من الفعلين على المجاز، بل هما مستعملان على الحقيقة في الحالين.
فإن قيل: هلا كانت القراءتان كالآيتين تستعملان معا في حال واحدة! قيل له: لو جعلناهما كالآيتين كان ما ذكرنا أولى، من قبل أنه لو وردت آيتان تقتضي إحداهما انقطاع غاية الدم لإباحة الوطء والأخرى تقتضي الغسل غاية لها، لكان الواجب استعمالهما على حالين على أن تكون كل واحدة منهما مقرة على حقيقتها فيما اقتضته من حكم الغاية، ولا يمكن ذلك إلا باستعمالهما في حالين على الوجه الذي بينا، ولو استعملناهما على ما يقول المخالف كان فيه اسقاط إحدى الغايتين، لأنه يقول (إنها وإن طهرت وانقطع دمها لم يحل له أن يطأها حتى تغتسل) فلو جعلنا ذلك دليلا مبتدأ كان سائغا مقنعا، وإنما اعتبر أصحابنا فيمن كان أيامها دون العشر فانقطع دمها بما وصفنا من قبل أنه جائز أن يعاودها الدم فيكون حيضا، إذ ليس كل طهر تراه المرأة يكون طهرا صحيحا، لأن الحائض ترى الدم سائلا مرة ومنقطعا مرة، فليس في انقطاعه في وقت يجوز أن يكون حائضا فيه وقوع الحكم بزوال الحيض، فقالوا: إن انقطاع الدم فيمن وصفنا حالها معتبر بأحد شيئين: إما بالاغتسال فيزول عنها حكم الحيض بالاتفاق، وباستباحتها الصلاة وذلك ينافي حكم الحيض، أو بمضي وقت صلاة فيلزمها فرض الصلاة، ولزوم فرضها مناف لبقاء حكم الحيض، إذ غير جائز أن يلزم الحائض فرض الصلاة، فإذا انتفى حكم الحيض وثبت حكم الطهر ولم يبق إلا الاغتسال لم يمنع الوطء، بمنزلة امرأة جنب جائز لزوجها وطؤها. وعلى هذا المعنى عندنا ما روي عن الصحابة في اعتبار الاغتسال في انقضاء العدة، وقد روى عيسى الخياط عن الشعبي عن ثلاثة عشر رجلا من الصحابة الخبر فالخبر، منهم أبو بكر وعمر وابن مسعود وابن عباس، قالوا: (الرجل أحق بامرأته ما لم تغتسل من حيضتها الثالثة) وروي مثله عن علي وعبادة بن الصامت وأبي الدرداء.
وأما إذا كانت أيامها عشرة فإنه غير جائز عندنا وجود الحيض بعد العشرة، فوجب الحكم بانقضائه لامتناع جواز بقاء حكمه، والله تعالى إنما منع من وطء الحائض أو ممن يجوز أن يكون حائضا، فأما مع ارتفاع حكم الحيض وزواله فهو غير ممنوع من وطء زوجته، لأنه تعالى قال: (فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) وقد طهرت لا محالة، ألا ترى أنها منقضية العدة إن كانت معتدة وأن حكمها حكم سائر الطاهرات ولا تأثير لوجوب الاغتسال عليها في منع وطئها على ما بيناه؟
فإن قيل: إذا انقطع دمها فيما دون العشرة فقد وجب عليها الغسل، ولزوم الغسل