عليه دون غيره، وهو قاض مع ذلك على قوله تعالى: (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) [المؤمنون: 6] كما كان حظر وطء الحائض قاضيا على قوله: (إلا على أزواجهم) [المؤمنون: 6] فكانت هذه الآية مرتبة على ما ذكر من حكم الحائض.
ومن يحظر ذلك يحتج بقوله: (قل هو أذى) فحظر وطء الحائض للأذى الموجود في الحيض وهو القذر والنجاسة، وذلك موجود في غير موضع الولد في جميع الأحوال، فاقتضى هذا التحليل حظر وطئهن إلا في موضع الولد. ومن يبيحه يجيب عن ذلك بأن المستحاضة يجوز وطؤها باتفاق من الفقهاء مع وجود الأذى هناك وهو دم الاستحاضة وهو نجس كنجاسة دم الحيض وسائر الأنجاس. ويجيبون أيضا على تخصيصه كان إباحة موضع الحرث، باتفاق الجميع على إباحة الجماع فيما دون الفرج وإن لم يكن موضعا للولد، فدل على أن الإباحة غير مقصورة على موضع الولد، ويجابون عن ذلك بأن ظاهر الآية يقتضي كون الإباحة مقصورة على الوطء في الفرج، وأنه هو الذي عناه الله تعالى بقوله: (من حيث أمركم الله) إذ كان معطوفا عليه، ولولا قيام دلالة الاجماع لما جاز الجماع فيما دون الفرج، ولكنا سلمناه للدلالة وبقي حكم الحظر فيما لم تقم الدلالة عليه.
قوله تعالى: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) الآية. قد قيل: فيه وجهان، أحدهما: أن تجعل يمينه مانعة من البر والتقوى والإصلاح بين الناس، فإذا طلب منه ذلك قال: (قد حلفت) فيجعل اليمين معترضة بينه وبين ما هو مندوب إليه أو هو مأمور به من البر والتقوى والإصلاح، فإن حلف حالف أن لا يفعل ذلك فليفعل وليدع يمينه.
ويروى ذلك عن مجاهد وسعيد بن جبير وإبراهيم والحسن وطاوس، وهو نظير قوله تعالى: (ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله) [النور: 22]. وروى أشعث عن ابن سيرين قال: حلف أبو بكر في يتيمين كانا في حجره كانا فيمن خاض في أمر عائشة، أحدهما مسطح وقد شهد بدرا، أن لا يصلهما وأن لا يصيبا منه خيرا، فنزلت هذه الآية: (ولا يأتل أولوا الفضل منكم) [النور: 22] فكسا أحدهما وحمل الآخر. وقد ورد معناه في السنة أيضا.
وقد روى أنس بن مالك وعدي بن حاتم وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه) وهذا هو معنى قوله تعالى: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) على التأويل الذي ذكرنا، لأن معناه على هذا التأويل: أن لا يمنع بيمينه من فعل ما هو خير بل يفعل الذي هو خير ويدع يمينه. والوجه الثاني: أن يكون قوله: (عرضة لأيمانكم) يريد به كثرة الحلف،