فلا تحل له بأحدهما، كذلك قوله تعالى: (فإذا تطهرن فأتوهن) مشروط في إباحة الوطء المعنيان، وهو الطهر الذي يكون بانقطاع الدم، والاغتسال.
قال أبو بكر: قوله تعالى: (حتى يطهرن) إذا قرئ بالتخفيف فإنما هو انقطاع الدم لا الاغتسال، لأنها لو اغتسلت وهي حائض لم تطهر، فلا يحتمل قوله: (حتى يطهرن) إلا معنى واحدا وهو انقطاع الدم الذي به يكون الخروج من الحيض، وإذا قرئ بالتشديد احتمل الأمرين من انقطاع الدم ومن الغسل لما وصفنا آنفا، فصارت قراءة التخفيف محكمة وقراءة التشديد متشابهة، وحكم المتشابه أن يحمل على المحكم ويرد إليه، فيحصل معنى القراءتين على وجه واحد، وظاهرهما يقتضي إباحة الوطء بانقطاع الدم الذي هو خرج من الحيض، وأما قوله: (فإذا تطهرن) فإنه يحتمل ما احتملته قراءة التشديد في قوله: (حتى يطهرن) من المعنيين، فيكون بمنزلة قوله: (ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن) ويكون كلاما سائغا مستقيما، كما تقول (لا تطعه حتى يدخل الدار فإذا دخلها فأعطه) ويكون تأكيدا لحكم الغاية، وإن كان حكمها بخلاف ما قبلها، وإذا كان للاحتمال فيه مساغ على الوجه الذي ذكرنا وكان واجبا حمل الغاية على حقيقتها، فالذي يقتضيه ظاهر التلاوة إباحة وطئها بانقطاع الدم الذي يخرج به من الحيض. ومن جهة أخرى: فيها احتمال وهو أن يكون معنى قوله: (فإذا تطهرن): فإذا حل لهن أن يتطهرن بالماء أو التيمم، كقوله: (إذا غابت الشمس فقد أفطر الصائم) معناه: قد حل له الإفطار، وقوله: (من كسر أو عرج فقد حل عليه الحج من قابل) معناه فقد جاز له أن يحل، وكما يقال للمطلقة إذا انقضت عدتها: إنها قد حلت للأزواج، ومعناه: قد حل لها أن تتزوج. وعلى هذا المعنى قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس: (إذا حللت فآذنيني). وإذا احتمل ذلك لم تزل الغاية عن حقيقتها بحظر الوطء بعدها. وأما قوله تعالى: (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) فإن الغاية في هذا الموضع مستعملة على حقيقتها، ونكاح الزوج وهو وطؤه إياها هو الذي يرفع التحريم الواقع بالثلاث، ووطء الزوج الثاني مشروط لذلك وقد ارتفع ذلك بالوطء قبل طلاقه إياها، وطلاق الزوج الثاني غير مشروط في رفع التحريم الواقع بالثلاث، فإذا لا دليل للشافعي في الآية على الحد الذي ذكرنا على صحة مذهبه، ولا على نفي قول مخالفيه.
وأما على مذهبنا فإن الآية مستعملة على ما احتملت من التأويل على حقيقتها في الحالتين اللتين يمكن استعمالهما، فنقول: إن قوله: (يطهرن) إذا قرئ بالتخفيف، فهو مستعمل على حقيقته فيمن كانت أيامها عشرا، فيجوز للزوج استباحة وطئها بمضي العشر.
وقوله: (يطهرن) بالتشديد وقوله: (فإذا تطهرن) مستعملان في الغسل إذا كانت أيامها