واختلف في إتيان النساء في أدبارهن، فكان أصحابنا يحرمون ذلك وينهون عنه أشد النهي، وهو قول الثوري والشافعي فيما حكاه المزني. قال الطحاوي: وحكى لنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكيم، أنه سمع الشافعي يقول: (ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريمه ولا تحليله شئ والقياس أنه حلال). وروى أصبغ بن الفرج عن ابن القاسم عن مالك قال: (ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك فيه أنه حلال) يعني وطء المرأة في دبرها، ثم قرأ (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) قال: (فأي شئ أبين من هذا؟ وما أشك فيه). قال ابن القاسم: فقلت لمالك بن أنس: إن عندنا بمصر الليث بن سعد يحدثنا عن الحارث بن يعقوب، عن أبي الحباب سعيد بن يسار قال: قلت لابن عمر: ما تقول في الجواري أنحمض قوله لهن؟ فقال: وما التحميض؟ فذكرت الدبر، قال: ويفعل ذلك أحد من المسلمين؟ فقال مالك: فأشهد على ربيعة بن أبي عبد الرحمن يحدثني عن أبي الحباب سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر عنه، فقال: لا بأس به. قال ابن القاسم: فقال رجل في المجلس: يا أبا عبد الله فإنك تذكر عن سالم أنه قال: (كذب العبد أو كذب العلج على أبي - يعني نافعا - كما كذب عكرمة على ابن عباس)؟ فقال مالك:
وأشهد على يزيد بن رومان يحدثني عن سالم عن أبيه أنه كان يفعله.
قال أبو بكر: قد روى سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر: أن رجلا أتى امرأته في دبرها، فوجد في نفسه من ذلك، فأنزل الله تعالى: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم)، إلا أن زيد بن أسلم لا يعلم له سماع من ابن عمر. وروى الفضل بن فضالة، عن عبد الله بن عباس، عن كعب بن علقمة، عن أبي النضر، أنه قال لنافع مولى ابن عمر: إنه قد أكثر عليك القول إنك تقول عن ابن عمر أنه أفتى أن تؤتى النساء في أدبارهن، قال نافع: كذبوا علي! أن ابن عمر عرض المصحف يوما حتى بلغ: (نساؤكم حرث لكم) فقال: يا نافع هل تعلم من أمر هذه الآية؟ قلت: لا! قال: إنا كنا معشر قريش نجبي النساء، وكانت نساء الأنصار قد أخذن عن اليهود أنما يؤتين على جنوبهن، فأنزل الله هذه.
فهذا يدل على أن السبب غير ما ذكره زيد بن أسلم عن ابن عمر، لأن نافعا قد حكى عنه غير ذلك السبب، وقال ميمون بن مهران أيضا: قال ذلك نافع يعني تحليل وطء النساء في أدبارهن - بعدما كبر وذهب عقله.
قال أبو بكر: المشهور عن مالك إباحة ذلك وأصحابه ينفون عنه هذه المقالة لقبحها وشناعتها، له وهي عنه أشهر من أن يندفع بنفيهم عنه، وقد حكى محمد بن سعيد عن أبي سليمان الجوزجاني قال: كنت عند مالك بن أنس، فسئل عن النكاح في الدبر،