غير حيض وكان الوقت علما لكونه حيضا ودلالة عليه، فكذلك يجب أن يكون الوقت دليلا على أن الكدرة من أجزاء دم الحيض وأن يكون حيضا.
وقد اختلف في حيض المبتدأة إذا رأت الدم واستمر بها، فقال أصحابنا وجميعا (عشرة منها حيض وما زاد فهو استحاضة إلى آخر الشهر، فيكون حيضها عشرة وطهرها عشرين). ولم يذكر عنهم خلاف في الأصول. وقال بشر بن الوليد عن أبي يوسف:
(تأخذ في الصلاة بالثلاث أقل الحيض، وفي الزوج بالعشرة، ولا تقضي صوما عليها إلا بعد العشرة، وتصوم العشر من رمضان وتقضي سبعا منها). وقال إبراهيم النخعي: (تقعد مثل أيام نسائها). وقال مالك: (تقعد ما تقعد نحوها من النساء ثم هي مستحاضة بعد ذلك). وقال الشافعي: (حيضها أقل ما يكون يوما وليلة).
والدليل على صحة القول الأول اتفاق الجميع على أنها مأمورة بترك الصلاة إلى أكثر الحيض على اختلافهم فيه، فصارت محكوما لها بحكم الحيض في هذه الأيام ومثلها يجوز أن يكون حيضا، فوجب أن تكون العشرة كلها حيضا لوقوع الحكم لها بذلك وعدم عادتها لخلافه، ألا ترى أن الكل يقولون إن الدم لو انقطع عن العشرة لكان كله حيضا؟ فثبت أن العشرة محكوم لها فيها لحكم الحيض، وغير جائز نقض ذلك إلا بدلالة. وأيضا فلو كان ما زاد على الأقل مشكوكا فيه بعد وجود الزيادة على الأكثر، لكان الأولى أن لا ينقض ما حكمنا به حيضا بالشك، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم حكم للشهر الذي يغم الهلال في آخره بثلاثين بقوله: (فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين) لما كان ابتداء الشهر يقينا لم يحكم بانقضائه بالشك.
فإن قيل فمن كانت لها عادة دون العشر فزاد الدم ردت إلى أيام عادتها ولم يكن حكمنا لها بديا في الزيادة بحكم الحيض مانعا من اعتبار أيامها، وكذلك من رأت الدم في أول أيامها كانت مأمورة بترك الصلاة ولو دون الثلاث، فإن انقطع ما دون الثلاث حكمنا بأن ما رأته لم يكن حيضا، وإن تم ثلاثا كان حيضا. قيل له: أما التي كان لها أيام معروفة فإن حكم الزيادة لم يقع إلا مراعى معتبرا بانقطاعه في العشرة، لقوله صلى الله عليه وسلم:
(المستحاضة تدع الصلاة أيام إقرائها) فاقتضى ذلك كون الزيادة مراعاة، لعلمنا بان لها أياما معروفة. وأما المبتدأة فلم يكن لها قبل ذلك أيام يجب اعتبارها، فلذلك كانت رؤيتها الدم في العشرة غير مراعاة، بل عندنا ما رأته المبتدأة في العشرة فهو كالعادة يصير ذلك أياما لها في العدد والوقت، وإذا كان كذلك لم يجز أن يكون الدم الذي رأته المبتدأة في العشر مراعى بل واجب أن يحكم لها فيه بحكم الحيض إذ كان مثله يكون حيضا.
وأما من رأت الدم في أول أيامها وحكمنا له فيه بحكم الحيض في باب الأمر بترك