فالآخر حيض، وإن لم يكن واحد منهما ثلاثا فليس واحد منهما بحيض). وقال مالك:
(إذا رأت يوما دما ويوما طهرا أو يومين ثم رأت دما كذلك، فإنه تلغى أيام الطهر وتضم أيام الدم بعضها إلى بعض، فإن دام بها ذلك استظهرت بثلاثة أيام على أيام حيضها، فإن رأت في خلال أيام الاستظهار أيضا طهر ألغاه حتى حصل ثلاثة أيام دم الاستظهار، وأيام الطهر تصلي وتصوم ويأتيها زوجها، ويكون ما جمع من أيام الدم بعضه إلى بعض حيضة واحدة، ولا يعتد بأيام الطهر في عدة من طلاق. فإذا استظهرت بثلاثة أيام بعد أيام حيضها تتوضأ لكل صلاة وتغتسل كل يوم إذا انقطع عنها من أيام الطهر، وإنما أمرت بالغسل لأنها لا تدري لعل الدم لا يرجع إليها). وحكى الربيع عن الشافعي نحو ذلك.
قال أبو بكر: معلوم أن الحائض لا ترى الدم أبدا سائلا وكذلك المستحاضة، إنما تراه في وقت وينقطع في وقت، ولا خلاف أن انقطاع دمها ساعة ونحوها لا يخرجها من حكم الحيض في وقت رؤية الطهر وانقطاع الدم في مثل هذا الوقت، وأن ذلك كله كدم متصل كما قالوا جميعا في انقطاعه ساعة ونحوها، ولأن الطهر الذي بينهما ليس بطهر صحيح عند الجميع، لأن أحدا لا يجعل الطهر الصحيح يوما ولا يومين، ولم يقل أحد إن الطهر الذي بين الحيضتين يكون أقل من عشرة أيام على ما بيناه فيما سلف. وأيضا لو كان طهر اليوم واليومين الذي بين الدمين طهرا يوجب الصلاة والصوم، لوجب أن يكون كل واحد من الدمين حيضة تامة، فلما اتفق الجميع على أن هذا القدر من الطهر غير معتد به في الفصل بين الدمين وجعل كل واحد منهما حيضة تامة، وجب أن يسقط حكمه ويصير مع ما قبله وبعده من الدم كدم متصل.
وقد اختلف في الصفرة والكدرة في أيام الحيض، فروي عن أم عطية الأنصارية قالت: (كنا لا نعتد بالصفرة ولا بالكدرة بعد الغسل شيئا). واتفق فقهاء الأمصار على أن الصفرة في أيام الحيض حيض، منهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر ومالك والليث وعبد الله بن الحسن والشافعي. واختلفوا في الكدرة، فقال جميع من قدمنا ذكرهم: (إنها حيض في أيام الحيض وإن لم يتقدمها دم). وقال أبو يوسف: لا تكون الكدرة حيضا إلا بعد الدم). وقد روي عن عائشة وأسماء بنت أبي بكر قالتا: (لا تصلي الحائض حتى ترى القصة البيضاء). ولم يختلفوا في أن الكدرة حيض بعد الدم، فلما كان وجودها عقيب الدم دليلا على أن الكدرة من اختلاط أجزاء الدم، وجب أن يكون ذلك حكمها إذا وجدت في أيام الحيض وإن لم يتقدمها دم، وأن يكون الوقت المعتاد فيه الدم دلالة على أن الكدرة من اختلاط أجزاء الدم بالبياض. والدليل على أن للوقت تأثيرا في ذلك، أن المرأة ترى الدم في أيام حيضها وبعدها، فيكون ما رأته في أيامها حيضا وما بعد أيامها