الصلاة والصيام ثم انقطاعه دون الثلاث يخرجه عن كونه حيضا، فلأن ذلك وقع مراعى في الابتداء، لعلمنا بأن لأقل الحيض مقدارا متى قصر عنه لم يكن الدم الذي رأته حيضا.
فمن أجل ذلك وقع مراعى. وليس للمبتدأة بعد رؤيتها للدم ثلاثا حال يجب مراعاتها، فوجب أن تكون العشرة كلها حيضا لعدم الدلالة الموجبة للاقتصار به على ما دونها. وأما أبو يوسف فإنه جعلها بمنزلة من كان حيضها خمسا أو ستا فكانت شاكة في السنة. وقالوا جميعا: أنها تأخذ بالأقل في لصلاة، وكذلك الميراث والرجعة، وتأخذ في الأزواج بالأكثر احتياطا، وكذلك المبتدأة. قال أبو بكر: وليس هذا نظيرا لمسألتنا، من قبل أن هذه قد كانت لها أيام معلومة، وقد تيقنا الخمسة وشككنا في الستة، فاحتطنا لها في الصلاة والصوم، واحتطنا أيضا في الأزواج فلم نبحها لهم بالشك، والمبتدأة ليس لها أيام يجب اعتبارها، فما رأته من الدم الذي يكون مثله حيضا فهو حيض ولا معنا لردها إلى أقل الحيض، إذ ليس معنا دلالة توجب ذلك. ويفسد هذا القول أيضا من جهة أن أقل الحيض ليس بعادة لها، فلا فرق بينه وبين ما زاد عليه في امتناع وجوب الرد إليه، فوجب حينئذ اعتبار الأكثر لوقوع الحكم بكونه حيضا وعدم الدلالة على نقض هذا الحكم. ويدل أيضا على صحة قول أبي حنيفة أن الله تعالى جعل عدة الآيسة والصغيرة ثلاثة أشهر بدلا من الحيض، فجعل مكان كل حيضة وطهر شهرا، فدل ذلك على أنه إذا استمر بها الدم ولم تكن لها عادة فواجب أن تستوفي لها حيضة وطهر، ومعلوم أنه ليس لأكثر الطهر حد معلوم، ولأكثر الحيض مقدار معلوم، فوجب أن يستوفى لها أكثر الحيض ويكون بقية الشهر طهرا، لأنه ليس مقدار من الطهر في بقية الشهر بالاعتبار أولى من غيره، فوجب أن يكون المعتبر من الطهر لبقية الشهر هو الذي يبقى بعد أكثر الحيض، ألا ترى أنك إذا نقصت الحيض من العشرة احتجت أن تزيد ما نقصته منها في الطهر؟ وليس زيادة الطهر بأن يكون سبعة بأولى من يكون خمسة أو ستة، فوجب أن يعتبر أكثر الحيض ويجعل الباقي من الشهر طهرا. ويدل على وجوب استيفاء حيضة وطهر في الشهر لهذه المبتدأة قوله صلى الله عليه وسلم لحمنة: (تحيضي في علم الله ستا أو سبعا كما تحيض النساء في كل شهر) فأخبر أن عادة النساء في كل شهر حيضة وطهر.
فإن قيل: فهلا اعتبرت لها ستا أو سبعا كما قال صلى الله عليه وسلم! قيل له: لم نقل ذلك لوجوه أحدها: أنا لا نعلم أحدا من أهل العلم قال ذلك في المبتدأة. والثاني: أن هذه كانت عادة المرأة المخاطبة بذلك - أعني ستا أو سبعا - فلا يعتبر بها غيرها، فاستدلالنا من الخبر بما وصفنا صحيح، لأنا أردنا إثبات الحيضة والطهر في الشهر في المتعارف المعتاد. وأما قول من قال: (إنها تقعد مثل حيض نسائها) فلا معنى له، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم