فضرب بيده إلى رأسه وقال: (الساعة اغتسلت منه). وقد رواه عنه ابن القاسم على ما ذكرنا، وهو مذكور في الكتب الشرعية. ويروى عن محمد بن كعب القرظي: أنه كان لا يرى بذلك بأسا، ويتأول فيه قوله تعالى: (أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم) [الشعراء: 165] مثل ذلك إن كنتم تشتهون. وروي عن ابن مسعود أنه قال: (محاش النساء حرام). وقال عبد الله بن عمر: (وهي اللوطية الصغرى).
وقد اختلف عن ابن عمر فيه، فكأنه لم يرو عنه فيه شئ، لتعارض ما روي عنه فيه.
وظاهر الكتاب يدل على أن الإباحة مقصورة على الوطء في الفرج الذي هو موضع الحرث، وهو الذي يكون منه الولد. وقد رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم آثار كثيرة في تحريمه، رواه خزيمة بن ثابت وأبو هريرة وعلي بن طلق كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تأتوا النساء في أدبارهن). وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هي اللوطية الصغرى) يعني إتيان النساء في أدبارهن. وروى حماد بن سلمة، عن حكيم الأثرم، عن أبي تميمة، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى حائضا أو امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد). وروى ابن جريج عن محمد بن المنكدر عن جابر، أن اليهود قالوا للمسلمين: من أتى امرأته وهي مدبرة جاء ولده أحول، فأنزل الله تعالى: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مقبلة ومدبرة ما كان في الفرج). وروت حفصة بنت عبد الرحمن عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(في صمام واحد). وروى مجاهد عن ابن عباس مثله في تأويل الآية، قال: (إنما يعني كيف شئت في موضع الولد). وروى عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لا ينظر الله إلى الرجل أتى امرأته في دبرها). وذكر ابن طاوس عن أبيه قال: سئل ابن عباس عن الذي يأتي امرأته في دبرها، فقال: (هذا يسألني عن الكفر!) وقد روي عن ابن عمر في قوله: (نساؤكم حرث لكم) قال: (كيف شئت إن شئت عزلا أو غير عزل) رواه أبو حنيفة عن كثير الرياح الأصم عن ابن عمر، وروي نحوه عن ابن عباس. وهذا عندنا في ملك اليمين وفي الحرة إذا أذنت فيه، وقد روي ذلك على ما ذكرنا من مذهب أصحابنا عن أبي بكر وعمر وعثمان وابن مسعود وابن عباس وآخرين غيرهم.
فإن قيل: قوله عز وجل: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) [المؤمنون: 5 و 6] يقتضي إباحة وطئهن في الدبر، لورود الإباحة مطلقة غير مقيدة ولا مخصوصة. قيل له: لما قال الله تعالى: (فأتوهن من حيث أمركم الله) ثم قال في نسق التلاوة: (فأتوا حرثكم أنى شئتم) أبان بذلك موضع المأمور به وهو موضع الحرث، ولم يرد إطلاق الوطء بعد حظره إلا في موضع الولد، فهو مقصور