فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع " وذكر الحديث.
قال أبو بكر: قال في الحديث الأول: " ثم اقرأ ما شئت " وفي الثاني: " ما تيسر " فخيره في القراءة بما شاء. ولو كانت قراءة فاتحة الكتاب فرضا لعلمه إياها مع علمه بجهل الرجل بأحكام الصلاة، إذ غير جائز الاقتصار في تعليم الجاهل على بعض فروض الصلاة دون بعض، فثبت بذلك أن قراءتها ليست بفرض. وحدثنا عبد الباقي بن قانع، حدثنا أحمد بن علي الحزار، قال: حدثنا عامر ابن سيار، قال: حدثنا أبو شيبة إبراهيم بن عثمان، حدثنا سفيان عن أبي نضرة عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا صلاة إلا بقراءة يقرأ فيها فاتحة الكتاب أو غيرها من القرآن). وقد حدثنا محمد بن بكر، قال:
حدثنا أبو داود، قال: حدثنا وهب بن بقية عن خلد عن محمد بن عمرو عن علي بن يحيى بن خلاد عن رفاعة بن رافع بهذه القصة، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قمت فتوجهت إلى القبلة فكبر ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله أن تقرأ) وذكر تمام الحديث، فذكر فيه قراءة أم القرآن وغيرها، وهذا غير مخالف للأخبار الأخر، لأنه محمول على أنه يقرأ بها إن تيسر، إذ غير جائز حمله على تعيين الفرض فيها لما فيه من نسخ التخيير المذكور في غيره، ومعلوم أن أحد الخبرين غير منسوخ بالآخر إذ كانا في قصة واحدة.
فإن قال قائل: لما ذكر في أحد الخبرين التخيير فيما يقرأ، وذكر في الآخر الأمر بقراءة فاتحة الكتاب من غير تخيير، وأثبت التخيير فيما عداها بقوله: (وبما شاء الله أن تقرأ) بعد فاتحة الكتاب، ثبت بذلك أن التخيير المذكور في الأخبار الأخر إنما هو فيما عدا فاتحة الكتاب، وأن ترك ذكر فاتحة الكتاب إنما هو إغفال من بعض الرواة، ولأن في خبرنا زيادة وهو الأمر بقراءة فاتحة الكتاب بلا تخيير - قيل له: غير جائز حمل الخبر الذي فيه التخيير مطلقا على الخبر المذكور فيه فاتحة الكتاب على ما ادعيت، لإمكان استعمالهما من غير تخصيص، بل الواجب أن نقول: التخيير المذكور في الخبر المطلق حكمه ثابت في الخبر المقيد بذكر فاتحة الكتاب، فيكون التخيير عاما في فاتحة الكتاب وغيرها، كأنه قال: اقرأ بأم القرآن إن شئت وبما سواها، فيكون في ذلك استعمال زيادة التخيير في فاتحة الكتاب، دون تخصيصه في بعض القراءة دون بعض. ويدل عليه أيضا ما حدثنا محمد بن بكر، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا إبراهيم بن موسى، قال:
حدثنا عيسى عن جعفر بن ميمون البصري، قال: حدثنا أبو عثمان النهدي عن أبي هريرة، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اخرج فناد في المدينة أنه لا صلاة إلا بقرآن، ولو بفاتحة الكتاب فما زاد). وقوله: (لا صلاة إلا بالقرآن) يقتضي جوازها بما قرأ به من شئ. وقوله: (ولو بفاتحة الكتاب فما زاد). يدل أيضا على جوازها بغيرها، لأنه لو كان