قال أبو بكر: وقد رويت أخبار أخر في قراءة فاتحة الكتاب يحتج بها من يراها فرضا. فمنها حديث العلاء بن عبد الرحمن عن عائشة وعن أبي السائب مولى هشام بن زهرة عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام، قال: (يقول الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي، ونصفها لعبدي. فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي) وذكر الحديث. قالوا: فلما عبر بالصلاة عن قراءة فاتحة الكتاب دل على أنها من فروضها، كما أنه لما عبر عن الصلاة بالقرآن في قوله: (وقرآن الفجر) [الإسراء: 78] وأراد قراءة صلاة الفجر دل على أنها من فروضها، وكما عبر عنها بالركوع فقال: (واركعوا مع الراكعين) [البقرة: 43] دل على أنه من فروضها - قيل له: لم تكن العبارة عنهما لما ذكرت موجبا لفرض القراءة والركوع فيها دون ما تناوله من لفظ الأمر المقتضي للإيجاب، وليس في قوله: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي) أمر، وإنما أكثر ما فيه الصلاة بقراءة فاتحة الكتاب، وذلك غير مقتض للإيجاب، لأن الصلاة تشتمل على النوافل والفروض. وقد أفاد النبي عليه السلام بهذا الحديث نفي إيجابها لأنه قال في آخره: (فمن لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج) فأثبتها ناقصة مع عدم قراءتها. ومعلوم أنه لم يرد نسخ أول كلامه بآخره، فدل ذلك على أن قول الله تعالى (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين) وذكر فاتحة الكتاب لا يوجب أن يكون قراءتها فرضا فيها. وهذا كما روى شعبة عن عبد ربه بن سعيد عن أنس بن أبي أنس عن عبد الله بن نافع بن العمياء عن عبد الله بن الحارث عن المطلب ابن أبي وداعة، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة مثنى مثنى، وتشهد في كل ركعتين، وتبأس وتمسكن وتقنع لربك، وتقول اللهم، فمن لم يفعل فهي خداج) ولم يوجب ذلك أن يكون ما سماه صلاة من هذه الأفعال فرضا فيها.
ومما يحتج به المخالفون أيضا حديث عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) وبما حدثنا محمد بن بكر، قال: حدثنا أبو داود، قال حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا جعفر عن أبي عثمان عن أبي هريرة، قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي أن لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب فما زاد. قال أبو بكر: قوله عليه السلام: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) يحتمل لنفي الأصل ونفي الكمال، وإن كان ظاهره عندنا على نفي الأصل حتى تقوم الدلالة على أن المراد نفي الكمال. ومعلوم أنه غير جائز إرادة الأمرين جميعا، لأنه متى أراد نفي الأصل لم يثبت منه شئ، وإذا أراد نفي الكمال وإثبات النقصان فلا محالة بعضه ثابت، وإرادتهما معا منتفية مستحيلة. والدليل على أنه لم يرد نفي الأصل أن إثبات ذلك اسقاط التخيير في قوله تعالى: (فاقرؤوا ما