فصل قال أبو بكر: وقراءة فاتحة الكتاب مع ما ذكرنا من حكمها تقتضي أمر الله تعالى إيانا بفعل الحمد، وتعليم لنا كيف نحمده وكيف الثناء عليه وكيف الدعاء له، ودلالة على أن تقديم الحمد والثناء على الله تعالى على الدعاء أولى وأحرى بالإجابة، لأن السورة مفتتحة بذكر الحمد ثم بالثناء على الله، وهو قوله: (الحمد لله رب العالمين) إلى (مالك يوم الدين) ثم الاعتراف بالعبادة له وإفرادها له دون غيره بقوله: (إياك نعبد) ثم الاستعانة به في القيام بعبادته في سائر ما بنا الحاجة إليه من أمور الدنيا والدين وهو قوله: (إياك نستعين) ثم الدعاء بالتثبيت على الهداية التي هدانا لها من وجوب الحمد له واستحقاق الثناء والعبادة، لأن قوله: (إهدنا الصراط المستقيم) هو دعاء للهداية والتثبيت عليها في المستقبل، إذ غير جائز ذلك في الماضي، وهو التوفيق عما ضل عنه الكفار من معرفة الله وحمده والثناء عليه، فاستحقوا لذلك غضبه وعقابه. والدليل على أن قوله تعالى: (الحمد لله رب العالمين)، مع أنه تعليم لنا الحمد، هو أمر لنا به، قوله: (إياك نعبد وإياك نستعين) فاعلم أن الأمر بقول الحمد مضمر في ابتداء السورة، وهو مع ما ذكرنا رقية وعوذة وشفاء، لما حدثنا به عبد الباقي، قال: حدثنا معاذ بن المثنى، قال: حدثنا سعيد بن المعلى، قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن جعفر بن إياس عن أبي نضرة عن أبي سعيد، قال: كنا في سرية فمررنا بحي من العرب فقالوا:
سيد لنا لدغته العقرب، فهل فيكم راق؟ قال: قلت: أنا، ولم أفعل حتى جعلوا لنا جعلا، جعلوا لنا شاة. قال: فقرأت عليه فاتحة الكتاب سبع مرات، فبرأ، فأخذت الشاة، ثم قلت: حتى نأتي النبي عليه السلام. فأتيناه فأخبرناه، فقال: (علمت أنها رقية حق. اضربوا لي معكم بسهم).
ولهذه السورة أسماء، منها أم الكتاب لأنها ابتداؤه. قال الشاعر: (لأرض معقلنا وكانت أمنا) فسمى الأرض أما لنا لأنه منها ابتدأنا الله تعالى. وهي أم القرآن، وإحدى العبارتين تغني عن الأخرى، لأنه إذا قيل أم الكتاب فقد علم أن المراد كتاب الله تعالى الذي هو القرآن، فقيل تارة أم القرآن وتارة أم الكتاب. وقد رويت العبارة باللفظين جميعا عن النبي عليه السلام، وكذلك فاتحة الكتاب. وهي السبع المثاني، قال سعيد بن جبير:
سألت ابن عباس عن السبع المثاني، فقال: السبع المثاني هي أم القرآن. وإنما أراد بالسبع أنها سبع آيات. ومعنى المثاني أنها تثني في كل ركعة، وذلك من سنتها، وليس من سنة سائر القرآن إعادته في كل ركعة.